تحدثنا-فى الصحف الماضية-عن كثرة العناصر المكونة لسكان إيبيريا وأنها ظلت تستقبل عناصر متنوعة من القارات القديمة الثلاث: أوربا وإفريقيا وآسيا، ومن قديم ظلت تستقبل حضارات الفينيقيين واليونان والقرطاجينيين والرومان دون أن تضيف شيئا يميزها فى تاريخ الحضارة الإنسانية، وغزاها القوط المتبربرون فى القرن الخامس للميلاد وقضوا-أو كادوا يقضون-على كل ما وفد عليها من تلك الحضارات. ومرّ بنا فتح العرب لإيبيريا سنة ٩٢ هـ/٧١١ م والجهود التى بذلها موسى بن نصير وطارق بن زياد فى فتحها حتى خليج بسكاى وجبال البرينيه التى تفصلها عن غالة (فرنسا). ولم تكد تمضى أربع سنوات حتى أصبحت إيبيريا من جنوبّيها إلى شماليّها تدين بالولاء لدمشق كإقليم من أقاليم الدولة الأموية. ويستدعى الفاتحان العظيمان إلى دمشق بأخرة من سنة ٩٥ للهجرة ولا يعودان إليها. واستوطن الجيش الفاتح من العرب والبربر أواسط إيبيريا وجنوبيها، وسموا ديارهم-بل إيبيريا جميعها-باسم الأندلس أخذا من كلمة «قندالس» سكانها فى الجنوب. وتدخل الأندلس فى عصر الولاة منذ سنة ٩٥ إلى سنة ١٣٨ وأبلى نفر من ولاتها-حتى سنة ١١٦ - بلاء حسنا فى غزو غالة (فرنسا) ويفرضون على إقليم؟ ؟ ؟ سبثمانية بجنوبيها ولاءه للعرب، وتتقدم جيوشهم مرارا على نهر الرون وفى اتجاه بواتييه إلى الشمال وليون إلى الجنوب، وتدب العصبيات-بل تضطرم- بين قبائل العرب القحطانية والمضرية، وبين العرب والبربر، فيتوقف هذا المد العظيم، ولولا ذلك لفتح العرب شطرا كبيرا من أوربا الغربية.
ويقيّض لانتشال الأندلس من العصبيات المحتدمة فيها عبور عبد الرحمن بن معاوية ابن الخليفة هشام بن عبد الملك سنة ١٣٨ للهجرة بحر الزّقاق إليها وإعلانه فيها ميلاد دولة أموية غربية تخلف دولة آبائه فى دمشق التى قضى عليها العباسيون قضاء مبرما سنة ١٣٢ للهجرة. ويأخذ هو وأبناؤه وأحفاده الذين امتد حكمهم للأندلس نحو ثلاثة قرون فى تأسيس حضارة أندلسية عربية باهرة، وقد أخذت تلك الحضارة فى التكامل لعهد عبد الرحمن الأوسط الذى أنشأ للدولة أسطولا يحمى موانيها على المحيط الأطلسى