للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل روض مفوّف (١) ... لا أبالى وهو عندى

فى حبّه إذ ضنيت

وهى غزلية للتدريس، وإن شكا فيها بعد المحبوبة وجفائها وامتناعها، ومن هذا الباب عنده مقطوعات يجمع فيها حروف المعجم أو يلغز فيها. وفى الحق أنه يصور الغزل الصقلى المعنوى تصويرا بديعا بما نجد عنده من الصبابة واللهفة على لقاء المحبوبة وكثرة الشجى لهجرها والحزن حتى ليكاد يموت المحب فى إثر محبوبته ضنا وسقما وبكاء متصلا.

[٤ - شعراء الفخر]

من موضوعات الشعر العربى القديمة الفخر، وكان كثيرا جدا فى الجاهلية، لأن القوم كانوا يقتتلون، وكان الشعراء من ورائهم يحمّسونهم فى القتال، وكان من المقتتلين أنفسهم شجعان يذودون عن القبيلة ويفتخرون بشجاعتهم ومآثر قبائلهم، فكثر شعر الفخر والحماسة حينئذ، وكان المظنون، والسيوف فى صقلية دائما مشرعة وقلما توضع فى أغمادها أن يكون شعر الفخر والحماسة فيها كثيرا، غير أن ما روى منه قليل، وقد يرجع ذلك إلى ابن القطاع الصقلى وابن بشرون المهدوى، فإنهما لم يرويا منه إلا القليل وخاصة ابن بشرون فإنه كاد أن لا يروى منه شيئا فى العهد النورمانى، وقد يكون ذلك راجعا إلى أن العرب كانوا مهزومين، ففيم الفخر وفيم الحماسة، أما فى العهد السابق لذلك فإن نفسيتهم كانت قوية، ونجد ابن القطاع يسوق لهم فخرا وحماسة من حين إلى آخر، من ذلك قول أبى عبد الله محمد بن على بن الصباغ الكاتب (٢):

قومى الذين إذا السنابك أنشأت ... دون السحاب سحائبا من عثير (٣)

برقت صوارمهم وأمطرت الطّلى ... علقا كثرثار الحيا المتفجّر (٤)

الواترين فلا يقاد وتيرهم ... والفاتكين بحمير وبقيصر (٥)

والمانعين حماهم أن يرتعى ... والحاسمين لكل داء يعترى

فقومه حين يشتد وطيس الحرب وتنشئ سنابك الخيل سحابا من غبارها تبرق


(١) مفوّف هنا: جميل.
(٢) الخريدة ١/ ٨٤.
(٣) السنابك جمع سنبك: طرف الحافر. عثير: غبار.
(٤) علقا: دما غليظا. ثرثار الحيا غزير الغيث. الطلى: الأعناق.
(٥) الواترين: القاتلين. لا يقاد وتيرهم: لا تؤدى دية قتيلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>