معروف أنه تولى المغرب من طرابلس إلى المحيط فى القرن الأول الهجرى ولاة عظام طبقوا فيه تعاليم الإسلام القاضية بالمساواة بين العرب وغيرهم من الشعوب التى دخلت فى الإسلام، وقد رأينا حسان بن النعمان (٧١ هـ/٦٩٠ م-٨٦ هـ/٧٠٥ م) بعد انتصاره الحاسم على الكاهنة يدخل من قومها فى جيشه كتيبة من اثنى عشر ألف رجل تجاهد مع العرب فى سبيل الله، وليس ذلك فحسب، فإنه ولّى أكبر أبناء الكاهنة على قومه فى جبل أوراس وبذلك ملك قلوب المغاربة ودانوا له بالطاعة حتى المحيط، وخلفه موسى بن نصير (٨٦ هـ/٧٠٥ م- ٩٦ هـ/٧١٤ م) فوضع التنظيم الإدارى للمغرب وجعله خمس ولايات وخامستها هى المغرب الأقصى ما عدا السوس وجعل عليها واليا بربريا هو طارق بن زياد وعاصمتها طنجة، فلم يعد هناك فارق بين أن يكون الوالى لأى ولاية عربيا أو بربريا مغربيا، وكلفه بأن يفتح إيبريا، فأعدّ جيشا أكثره من البربر نحو اثنى عشر ألف جندى، وفتح الله له الجزء الجنوبى من إيبيريا ولحقه موسى بن نصير وأتما الفتوح معا. ومعنى ذلك أنه تم فى عهد موسى بن نصير رفع جميع الفوارق بين العرب والبربر، فقد أصبحوا جميعا متساوين فى حكم الولايات وقيادة الجيوش والجهاد فى سبيل الله، وبذلك لم يصبح فتح الديار المغربية من برقة إلى المحيط فتحا حربيا ابتغاء المكاسب الدنيوية، بل أصبح فتحا عقائديا لنشر الدين الحنيف وما ينبغى أن يستشعره أتباعه عربا وغير عرب من الأخوة فى إعلاء كلمة الله.
ومنيت الأمة الإسلامية بعد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بخلفاء أمويين منذ السنة الأولى فى القرن الثانى الهجرى ليسوا فى مستوى أمانة الحكم التى ينبغى أن يتحملوها، فقد ولى الخلافة يزيد بن عبد الملك، وسرعان ما ولّى على المغرب يزيد بن أبى مسلم صاحب شرطة الحجاج فتعسف مع البربر فى جمع الضرائب ناسيا أن البربر أصبحوا رفقاء سلاح مع العرب، فقتلوه. وتوالى فى عهد أخيه هشام بن عبد الملك (١٠٥ هـ/٧٢٣ م-١٢٥ هـ/٧٤٢ م) ولاة ليسوا فى مستوى المهمة، كان آخر المتعسفين منهم عبيد الله بن الحبحاب فأرهق المغاربة هو وعماله بالضرائب وبلغ من سفه عامله على طنجة أن أعلن أنه عازم على تخميس أراضى المغرب الأقصى أى أخذ خمسها للدولة. وبينما صبر المغاربة يكاد ينفد إذا بدعاة مذهبى الصفرية والإباضية ينتشرون بينهم يدعونهم إلى الدخول فى عقيدتهم التى تناقض عقيدة حكام بنى أمية وترى فى استيلائهم على الخلافة عدوانا على الأمة، إذ ينبغى أن يكون اختيار الخليفة متحررا من كل قيد فلا يقصر على قريش، بل يتولاها أشد الناس خوفا من الله وأكثرهم طاعة له وأحرصهم على الاستمساك بالدين وطاعة الله واتباع أحكام الإسلام، ولو كان