للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من للأسرّة أو من للأعنّة أو ... من للأسنّة يهديها إلى الثّغر (١)

ويح السماح وويح البأس لو سلما ... واحسرة الدّين والدنيا على عمر

وهو يقول لبنى المظفر بعد أن عدد لهم ما أبادته الليالى من الدول والعظماء تلك هى الأيام مراحل، وما أشبه الناس فيها بقوافل راحلة إلى عالم الموت والفناء، ويقول:

سحقا وبعدا لليوم الذى زالت فيه دولتكم ولا حملت بمثله ليلة تعسة من الليالى. ويبكيهم لعرش بطليوس وخيلها العادية وسيوفها الباترة، ويتوجع للسماح وللشجاعة، ويتحسر على ما خسر الدين من جهاد المتوكل للأعداء وخسرت الدنيا من مجده وأبهة إمارته.

والمرثية تعد من فرائد الشعر الأندلسى، بل الشعر العربى بعامة، وبدون ريب يعدّ ابن عبدون من أفذاذ الشعراء الأندلسيين.

[٤ - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية]

[(أ) شعراء الزهد]

الزهد من جوهر الدين الحنيف ومنذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم تتألق أسماء زهاد كثيرين، زهدوا فى متاع الحياة الدنيا، مؤثرين عليه ما عند الله من متاع الآخرة، مع وصلهم زهدهم بالعمل والكسب، حتى لا يعيشوا عالة على المجتمع. وتلقانا-على مر التاريخ- طوائف من هؤلاء الزهاد، وكثيرون منهم استحال زهدهم-على ألسنتهم-إلى مواعظ وأشعار كثيرة. وشركهم فى أشعارهم الزاهدة كثيرون من علماء التفسير والفقه والحديث النبوى وعلماء العربية، فضلا عن الشعراء الذين طالما حانت منهم التفاتات إلى مصيرهم وما ينتظرهم من الموت. ومن أجل ذلك كله أصبح الزهد غرضا كبيرا من أغراض الشعر العربى فى كل عصر وفى كل بلد عربى، وتلقانا منه سيول كثيرة فى الأندلس، ولن نستطيع أن نعرض منها إلا شيئا يسيرا وخاصة ما جاء على ألسنة الزهاد الحقيقيين الذين قصروا حياتهم-أو شطرا كبيرا منها-على النسك والعبادة. وأول من نذكره من هؤلاء الزهاد أبو وهب (٢) عبد الرحمن العباسى القرطبى المتوفى سنة ٣٤٤ لعهد عبد الرحمن الناصر،


(١) الثغر: جمع ثغرة: أعلى الصدر. يريد: طعنه بالأسنة صدور الأعداء.
(٢) انظر فى أبى وهب وترجمته وشعره المغرب ١/ ٥٨ والتكملة ص ٧١٨ والنفح ٣/ ٢٠٧، ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>