مرّ بنا-فى الحديث عن الثقافة بالجزائر-أن فتوح العرب للمغرب حوّلته بعد قرن واحد إلى شعب عربى، وقد نزل الفيننقيون دياره وظلوا به نحو ستة قرون أو تزيد، ولم يستطيعوا تحويله إلى لغتهم وحضارتهم، وبالمثل ظل به الرومان ستة قرون أخرى-وخلفهم البيزنطيون نحو قرن-ولم يستطيعوا أن يحولوه إلى لغتهم ودينهم المسيحى وحضارتهم. وكأنما كانت هناك معجزة هيأت للمغرب-مهما اختلفت أقطاره وتباينت-هذا التحول إلى العرب والعروبة، وليست المعجزة إلا أن العرب الفاتحين لم يكونوا يبتغون النهب والسلب لخيرات الأرض المفتوحة، إنما كانوا يبتغون نشر الدين الحنيف، مما جعل جماهيرهم تستحيل إلى معلمين يحفّظون المغاربة بعض آيات القرآن الكريم وسوره وبعض مبادئ العربية وبعض تعاليم الإسلام. ومن تمام هذه المعجزة أن المغاربة وجدوا هذا الدين السمح يسوّى بين حملته الفاتحين وبين الشعوب المفتوحة، فلا سيد ولا مسود ولا استنزاف لخيرات البلاد، والجميع عربا وبربرا متساوون فى الحقوق والواجبات فأخذوا يدخلون فيه أفواجا: فوجا وراء فوج.
وكان هذا الدين الحنيف يدعو بقوة إلى العلم والتعليم، ومعروف أن أول ما أنزل منه على الرسول صلّى الله عليه وسلم:{اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} فالدعوة إلى العلم والتعليم تقترن بأول ما نزل من الذكر الحكيم. ويشيد القرآن بالعلم والعلماء مرارا فى مثل:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} ومثل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}. ولذلك لا نعجب إذا رأينا الفاتحين فى الأقطار المغربية يتحولون إلى معلمين للشعوب البربرية، يعلمونها مبادئ الإسلام والعربية، ويتجرد منهم كثيرون للجلوس فى غرف ملحقة بالمساجد أو فى المساجد نفسها لتعليم القرآن وسموها الكتاتيب، وكانوا يلقون عليهم فيها بعض الأحاديث النبوية وبعض الأشعار.
وأخذ كثيرون يتجردون لإلقاء المواعظ فى المساجد وتفسير بعض السور والآيات الكريمة وذكر بعض الأحاديث النبوية مع شئ من التعليق عليها وبعض الأحكام الفقهية. وبذلك نشأ