وهو يشيد بابن تاشفين صاحب موقعة الزلاقة التى أجّلت استرداد الإسبان للأندلس العربية مئات السنين. ويقول إنه ناصر الدين الذى يفديه كل مسلم بروحه ودمه، ويدعو الله أن يجزيه خير الجزاء عما بذل لرعيته فى جهاده المستميت للإسبان وغزواته المتعاقبة واصلا الجهاد بالجهاد، إعلاء لكلمة الله فى تواضع حميد. ويتوفى القاضى على بن القاسم بعد ابن تاشفين بعامين، فيقول فيه من مرثية طويلة:
العيش بعدك يا علىّ نكال ... لا شئ منه سوى العناء ينال
يا عصمة الفقراء بل يا مالهم ... هيهات ما للناس بعدك مال
قد كنت آمالى التى أنا طالب ... جهدى ومتّ فماتت الآمال
لا الظلّ ظلّ بعد فقدك يا أبا ... حسن ولا الماء الزّلال زلال
وهو يقول إن العيش بعد ابن عشرة نكال وعقاب وعناء وعذاب، ويسميه عصمة الفقراء بما كان ينثر عليهم من أمواله، كما يقول إن آماله ماتت بموت ابن عشرة. ولم يعد الظل ظلا باردا بل أصبح يحموما، ولم يعد الماء الزلال زلالا عذبا، بل أصبح مرا لا يساغ. وخلف القاضى فى القضاء ابنه أبو العباس أحمد، فرعاه ووالى عليه نواله، ووالى ابن سوار له مديحه. وينشد ابن بسام له قطعة من مرثيته فى صبى يسمى محمدا لعله كان ابنا لأبى العباس، كما ينشد له أبياتا فى رثاء قاضيين، وربما كانا من بنى عشرة. ولعل فيما قدمنا ما يدل بوضوح على موهبته الشعرية الخصبة. .
ابن (١) وهبون
هو أبو محمد عبد الجليل بن وهبون، مولده ومنشؤه بمرسية على البحر المتوسط، وهى من بنيان الأمير عبد الرحمن الأوسط وكانوا يسمونها بستان شرقىّ الأندلس، واشتهرت بما كان يصنع فيها من أصناف الحرير والديباج. وكانت بها حركة علمية وأدبية نشطة، ويكفى أن تكون هى التى أنتجت ابن سيدة أكبر لغوى أندلسى صاحب المخصص والمحكم المتوفى سنة ٤٥٨ للهجرة وكان مع إتقانه للعربية متوفرا على علوم الحكمة والفلسفة، وأكبر الظن أن ابن وهيون تتلمذ له، وقد يكون هو الذى دفعه للقراءة فى كتب
(١) انظر فى ابن وهبون وترجمته وشعره الذخيرة ٢/ ٤٧٣ والقلائد ص ٢٤٢ والخريدة ٢/ ٩٥ والمطرب ١١٨ وبغية الملتمس رقم ١١٠١ والمعجب للمراكشى ١٥٩ وفوات الوفيات لابن شاكر ١/ ٥١٣.