على ضناه وكأنما خصره يشكو من ثقل أردافه، وقد استعمل يشكى مثل العامية بدلا من يشكو الفصيحة، ويقول فى إحدى الجوارى.
دبّت له ذؤابة ... كحيّة من خلفه
تحمى ضعيف خصره ... من خارجىّ ردفه
وهو يشبه الضفيرة بحية وكأنها تحمى خصره من ثقل ردفه، وقد عبر عنه بأنه من الخوارج مبالغة، ويقول:
كلّ فعال الحبّ محمودة ... وإن تجافى وتجنّى وتاه
فوصله قطع لداء الأسى ... وهجره قطع لقول الوشاه
فهو يرتضى من محبوبته حتى هجرها ليقطع ألسنة الوشاة، وهو جانب فيه من التظرف والرقة ورهافة الشعور ما يمتاز به أهل القاهرة، وله قصيدة بديعة فى دولاب (ساقية) روض صوّره فيها ينوح ويئن دائما لفراقه روضه إذ كان شجرة ضخمة فى إحدى الرياض قطّع أوصالها غبى ودقّ عظمها فى ضلوعها، فهى ماتنى تبكى على عهدها بالرياض، وماتنى عيونها جارية بالدموع. وفى الحق أنه كان شاعرا بارعا، ومرّ بنا أنه يكوّن مع تلميذه يحيى الأصيلى وتلميذ يحيى الشاعر يوسف المغربى مدرسة فى الغزل زمن العثمانيين كانت تمتاز بدقة الحس ورهافة الشعور.
[٢ - شعراء الفخر والهجاء]
الفخر والهجاء غرضان قديمان من أغراض الشعر العربى، فمنذ الجاهلية يتغنى الشعراء بمفاخرهم الذاتية ومفاخر قبائلهم وأقوامهم، وبالمثل يتغنون بأهاج فردية تتصل بفرد بعينه، وأخرى جماعية تتصل بالقبائل والأقوام ومثالبهم. ولا ريب فى أن وتر الفخر الذى شدّه الشعراء إلى قيثاراتهم كان وترا خصبا، إذ وقّع الشعراء عليه كثيرا من الألحان الخلقية الرفيعة، مما يتصل بالمروءة والكرم والوفاء والكرامة وغير ذلك من الفضائل الحميدة، كما وقعوا عليه كثيرا من الألحان الحماسية التى تصور بسالتهم الحربية وما أذاقوه أعداءهم من الهزائم الساحقة. وظلت هاتان المجموعتان من الألحان طوال الحقب التالية، وظل العرب فى كل مكان يردّدونها صحائف تربية