للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء. . ولا يوجد عالم بعده إلا وله عليه الفضل الجزيل بما استفاد من مصنفاته، وتلقى من مسنداته».

٤ -

شعراء الرثاء

للرثاء عند العرب-منذ الجاهلية-ثلاث صور: صورة الندب وبكاء الميت والنواح عليه من ذوى القربى، وصورة التأبين ورسم فضائل الميت لبيان خسارة القبيلة أو المجتمع فيه، وصورة العزاء وبيان أن الموت كأس يتجرعه البشر جميعا، فالكل ميت ولا بقاء لأحد، وكثيرا ما تختلط هذه الصور فى المرثية الواحدة. وفى كل عصر وفى كل قطر تلقانا عشرات المراثى بل أحيانا مئاتها، وهى كثيرة فى موريتانيا، وقد عرض منها المرحوم الشنقيطى والدكتور محمد المختار عشرات، ونعرض بعض أمثلة منها، من ذلك قول ابن رازكه يرثى أعمر آكجيل التروزى (١):

هو الموت عضب لا تخون مضاربه ... وحوض زعاف كلّ من عاش شاربه (٢)

وما الناس إلا واردوه فسابق ... إليه ومسبوق تخبّ نجائبه (٣)

يحبّ الفتى إدراك ما هو راغب ... ويدركه-لا بدّ-ما هو راهبه

وكم لابس ثوب الحياة فجاءه ... على فجأة عاد من الموت سالبه

وما صان حبرا علمه وكتابه ... ولا ملكا أعلامه وكتائبه

وهو يبدأ مرثيته بالعزاء، فالموت سيف مصلت على رقبة كل إنسان، لا تخونه مضاربه، وحوض سم قاتل، كلّ من عاش على ظهر الدنيا لا بد شاربه، والناس جميعا واردوه، سابق إليه ومسبوق تعدو به ركائبه. ويتعلق الإنسان فى دنياه بما يرغب فى تحقيقه ويدركه الموت الذى يرهبه، وكم من لابس لثوب الحياة يفجئوه عاد من الموت يسلبه عنه ويخلعه. ولا يصون العالم الجليل منه علمه وكتبه، ولا يصون الملك راياته وكتائبه. ويرثى القاضى أحمد بن يوسف البوحسنى ويقول فيه مؤبنا (٤):

فتانا ومفتينا المصيب وشيخنا ... ونبراسنا فيما يهمّ ويسدف (٥)

بصير بحلّ المشكلات كأنما ... يكاشف عن أسرارها ثم يكشف

تملّك أطراف القضاء وفقهه ... وما هو إلا مالك أو مطرّف (٦)


(١) الوسيط للشنقيطى ص ١٥.
(٢) عضب: سيف قاطع. زعاف: سم قاتل.
(٣) تخبّ: تعدو. نجائبه: ركائبه.
(٤) الوسيط ص ١٨.
(٥) نبراس: مصباح. يسدف: يظلم.
(٦) مالك: الإمام مالك بن أنس. مطرف: قاضى صنعاء المشهور.

<<  <  ج: ص:  >  >>