للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمتّ أسفا وغمّا، ولست-عافاك الله-بذى سجن ولا قيود، ولكن معاشرة من لا يشاكل عقبة كؤود (١)، ولعلها ذنوب تمحّص، وسبك يصفّى به الإنسان ويستخلص، وقد شكونا لو أن الشكاة تسمع، ودعونا لو أنّ الدعاء-عند من لا يقبله ينفع».

وسهل يومئ فى أول رسالته إلى ما صنعه به أهل الحسد والعداوة مما انتهى به إلى النفى عن بلده، ويعبر عن ألمه وحزنه لهذا النفى مع الثناء على صديقه والشكر على رسالته التى أثلجت صدره وفتحت له من التسلى والتعزى أبوابا كانت مغلقة، فخففت من أسفه وغمه. ويقول المراكشى عنه إنه كان كريم النفس فاضل الطبع نزيه الهمة حصيف الرأى وجيها مبرورا معظما عند الخاصة والعامة.

[٣ - الرسائل الأدبية]

مما تميّز به النثر الأندلسى كثرة الرسائل الأدبية فيه، وكانت تسعف الكتّاب فى ذلك ملكات أدبية خصبة، وهى تلاحظ بوضوح فى كثير من رسائلهم الشخصية إذ نرى الكاتب يتحول برسالته فى المودة والإخاء أو فى العتاب أو فى الرثاء إلى الاتساع والامتداد بها صفحات تلو صفحات. وكان من آثار كثرة الحروب عندهم مع نصارى الشمال كثرة الرسائل الطويلة التى تتخذ الجهاد والاسننفار للحرب وتصوير معاركها العنيفة موضوعات لها، وفى كتاب الذخيرة لابن بسام رسائل كثيرة فى كل ذلك، وخاصة مع موقعتى بربشتر سنة ٤٥٦ والزلاقة سنة ٤٧٩. وتكثر عندهم الرسائل الشخصية التى تتخذ الطبيعة موضوعا لها، وألممنا فيما أسلفنا برسائل بارعة على لسان الأزهار عند ابن برد وحبيب وأبى عمر الباجى، ومرّ بنا أن لابن الجد رسالة بارعة فى وصف مطر بعد قحط شديد، وأن لابن أبى الخصال رسالة فى وصف ليلة شديدة البرد نوّه بها السابقون، ولابن خفاجة أكثر من رسالة فى وصف الطبيعة، وبالمثل لكتاب غرناطة وفى مقدمتهم ابن الخطيب رسائل متعددة فى وصف الطبيعة. وكان للأندلسيين ميل واضح إلى الدعابة والفكاهة، وهما يتضحان فى كثير من رسائلهم الشخصية، على نحو ما يلقانا عند محمد بن مسعود القرطبى فى أوائل القرن الخامس الهجرى وكان شاعرا يتصعلك فى شعره على


(١) كؤود: صعبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>