كل من يتابع جهود اللغويين فى القرنين الثانى والثالث للهجرة يلاحظ توّا كثرة ما أدوه للعربية وشعرائها من دراسات متنوعة، فقد جمعوا مادتها الشعرية واللغوية جمعا مستقصيا صوّروه فى مباحث مفردة كمبحث عن الإبل أو الشجر أو الكلأ أو النخل والكرم أو خلق الإنسان أو الميسر والقداح أو الأنواء، وكمبحث عن الاشتقاق أو عن علامات التأنيث أو الهمز وتحقيقه أو عن فعلت وأفعلت أو عن الأضداد، أو عن الوحش والسباع والطير والهوام وحشرات الأرض.
وكادوا لا يتركون موضوعا ولا صيغة لغوية فيها بعض الاشتباه إلا دوّنوا فيها الرسائل القصيرة والطويلة. ثم ألّفوا الكتب المجلدة. واستطاعوا منذ أواسط القرن الثانى للهجرة أن يضعوا قواعد النحو العربى وضعا نهائيّا وبالمثل قواعد الصرف والتصريف، وأيضا قواعد الأوزان الشعرية والقوافى، بحيث أصبح الشعر العربى ولغته جميعا مذلّلين منقادين للناشئة، وفى أثناء ذلك وضعت القواعد لوضع المعجم العربى، بحيث يضم بين دفّتيه كل الكلمات العربية المستعملة والأخرى المهملة، على نحو ما هو معروف عن معجم العين المنسوب إلى الخليل بن أحمد، وألّف على غراره بأخرة من العصر ابن دريد معجمه المشهور: الجمهرة، كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع.
وعلى هذا النمط أخذ اللغويون يجمعون للناشئة من الشعراء وغير الشعراء مادة اللغة، كما أخذوا يبسطون لهم قواعدها النحوية والصرفية والموسيقية، وقد مضوا منذ مطالع العصر العباسى يجمعون لهم عيون الشعر العربى فى مجاميع كثيرة، غير ما جمعوه