ظل الشعر حيا يجرى على الألسنة فى الجزيرة العربية طوال هذا العصر، ومعروف أنه منها نبع قديما وأن ينابيعه كانت تمتد فى شمالى الجزيرة وشرقيها وغربيها، أو قل فى الجزيرة جميعها، باستثناء اليمن فى العصر الجاهلى أو بعبارة ادق باستثناء أعماقها، إذ كانت اليمن الشمالية قد أخذت فى التعرب واستخدام الفصحى، ولم تبق إلا أنحاء قليلة تتكلم الحميرية، بينما كانت العربية تنتشر فى اليمن بإزاء الحجاز وفى نجران وفى حضرموت وبين أزد عمان. وتم تعرب اليمن سريعا بعد الإسلام أو قل تم تعرب ما كان قد بقى منها يتحدث الحميرية.
ونحن لا نصل إلى هذا العصر الذى نؤرخ له والذى يبتدئ بسنة ٣٣٤ للهجرة حتى نشعر بنشاط واضح للشعر والشعراء فى كل أنحاء الجزيرة، وكانت الحجاز-وخاصة مكة-دارا كبيرة للشعر والشعراء، وتزخر كتب التراجم بأشعارهم لا أشعار من هاجروا إليها وأمضوا فيها بقية حياتهم أو من ظلوا بها أعواما طويلة فحسب فإن ذلك أكثر من أن يحصى أو يستقصى، بل أيضا أشعار الشعراء من أهلها الذين ولدوا بها وأنفقوا حياتهم فيها. وكانوا يستمعون إلى من يفد عليها من الشعراء ويقيم فيها بين ظهرانيهم، فكان ذلك غذاء سائغا لشاعرياتهم. وكانوا يقرءون دواوين الشعراء المشهورين، وكثير منهم كانت لديه ملكة شعرية خصبة. ولا بد أن نلاحظ أن لغة شعرهم الفصحى لم تكن هى نفس لغتهم اليومية، فمن قديم لم يأخذ علماء اللغة فى القرنين الثانى والثالث للهجرة اللغة والشعر عن المدينة ومكة لنزول كثير من الموالى بهما ومعيشتهم فيهما، وقد ذكرنا فى كتاب العصر الإسلامى أن عدد القتلى من الموالى فى موقعة الحرة بالمدينة لعهد يزيد بن معاوية كان خمسة آلاف بينما كان عددهم من العرب ثلاثة آلاف مما يؤكد أن أكثر سكان المدينة حينئذ كانوا