تدل على أن حرية المسلمين فى إقامة شعائرهم الدينية لم تكن مكفولة تماما على نحو ما أوضح ذلك على لسان عبد المسيح فى مسّينى وفقيه مدينة طرابنش وزعيم المسلمين بها ابن حجر والمسلم الصقلى الذى اختار أن يحرم من ابنته وأهداها زوجة إلى أحد الحجاج مع ابن جبير حتى لا تذوق ما يدوقه مع إخوتها من العذاب الأليم.
ويتضاعف الظلم الغاشم مع استيلاء أباطرة الألمان على صقلية-كما مرّ بنا فى الفصل الأول-ويفر من صقلية آلاف من المسلمين إلى إفريقية التونسية، ولا يبقى بها إلا من عجزوا عن الفرار والرحيل ويصبحون بها مستعبدين يفلحون الأرض ويرعون الأغنام للسادة الفرنجة ولا يكفل لهم شئ من الحرية الدينية، واستغاثوا بأبى زكريا مؤسس دولة الموحدين فعقد معاهدة مع فردريك الثانى الإمبراطور الألمانى، وتعهد له فردريك فيها بضمان تلك الحرية، ولم يطبّق هذا التعهد، وازداد العسف والظلم الغاشم، واستغاث المسلمون هناك بالمستنصر ابن أبى زكريا، فعقد معاهدة مع فردريك على إجلاء المسلمين نهائيا من صقلية، وحلّوا بتونس فى سواحلها ورحّبت بهم المدن الساحلية وعاشوا فى أمان، ويقال إن فردريك أجلى من بقى بجزيرة مالطة من المسلمين إلى أمالفى Amalfi جنوبى إيطاليا، وبمر الزمن تنصرت ذراريهم.
٣ - الثقافة (١) فى العهد العربى
دائما تتحرك الثقافة الإسلامية مع الجيوش العربية الفاتحة، فبمجرد أن يفتح جيش عربى بلدا يقيم فيه مسجدا تخطب فيه خطبة الجمعة وتؤدّى الصلوات الخمس، ويدخل أهل البلد المفتوح فى الإسلام أو كثيرون منهم، وتنشأ كتاتيب لتحفيظ الداخلين فى الإسلام شيئا من سور القرآن وتعليمهم وتعليم ناشئتهم مبادئ الكتابة العربية وشيئا من الشعر العربى لتستقيم العربية فى ألسنتهم. وكان هؤلاء المسلمون الجدد والجند العربى يتحلّقون حول الشيوخ فى المساجد يأخذون عنهم تعاليم الإسلام، وكان من هؤلاء الشيوخ من يعرض الأسدية لأسد بن
(١) انظر فى الثقافة بالعهد العربى البيان المغرب لابن عذارى ومعجم الأدباء ومعجم البلدان فى سمنطار لياقوت وتثقيف اللسان لابن مكى وتاريخ الحكماء للقفطى وصورة الأرض لابن حوقل وطبقات الأطباء لابن جلجل وطبقات الأمم لصاعد والخريدة للعماد الأصبهانى: الجزء الأول وإنباه الرواة للقفطى وبغية الوعاة للسيوطى وطبقات القراء لابن الجزرى والديباج المذهب لابن فرحون والصلة لابن بشكوال والحلة السيراء لابن الأبار والقسم الثالث من كتاب ورقات عن الحضارة العربية فى إفريقية التونسية والعرب فى صقلية للدكتور إحسان عباس.