جرس الكلمات، بل تجاوز ذلك إلى الأوزان، فكان يفزع إلى مجزوءاتها كثيرا إرضاء لآذان السامعين، وحتى يتيح للمغنين والمغنيات فى شعره الفرص كى يجهروا بألفاظه ويهموا بها حسب حاجاتهم الغنائية.
أبو الشبل (١) البرجمىّ
اسمه عاصم بن وهب، ولد بالكوفة ونشأ وتأدّب بالبصرة، يقول أبو الفرج:
«قدم إلى سامرّاء فى أيام المتوكل ومدحه، وكان طبّا نادرا، كثير الغزل، ماجنا فنفق عند المتوكل بإيثاره العبث، ونادمه وخصّ به فأثرى» ثم يذكر بعض مديحه للمتوكل وما أسبغ عليه من عطاياه. ويبدو من اصطفاء المتوكل له أنه كان ظريفا خفيف الروح، ويقصّ ابن المعتز بعض نوادره، مما يدل على أنه كان فكه المحضر. وكان خليعا مثل الحسين بن الضحاك يسرف على نفسه فى المجون ويتهالك على اللذات، ويطلبها فى الحانات وفى الديارات، ويقول من ترجموا له إنه كان عاكفا على الشراب لا يفارقه، ولا يوجد إلا سكران قد أخذ منه السكر مأخذا شديدا. ويقولون إنه كان يتطرّح فى الديارات والحانات ومواطن اللهو، لا يغبّها ولا يتأخر عنها، بل دائما فى حانة أو فى دير أو فى بستان أو متنزّه وقد شرب وأغرق فى الشرب حتى لم يعد يستطيع أن يقف على قدميه، بل لم يعد يستطيع حراكا. وكان كثير الاختلاف إلى دير أشمونى بقرية قطربّل شمالىّ بغداد وكانت القرية أشبه بحانة كبيرة يختلف إليها أصحاب البطالة والمجون. وكان عيد هذا الدير فى اليوم الثالث من أكتوبر، وكان يجتمع فيه كل من ببغداد من أهل الطرب واللهو، يخرجون إليه جماعات، منهم من يركب السفن النهرية بدجلة، ومن يركب الخيل المطهمة، وينزلون فى أكناف القرية وحاناتها وديرها الكبير ضاربين خيامهم وفساطيطهم، وكلّ فد أعدّ ما استطاع لقصفه ولهوه، والقيان تعزف عليهم، وآلات الطرب تسمع فى كل مكان، والناس يطربون ويشربون وقد يرقصون طربا واستحسانا لما يسمعون. وطبيعى أن يتأثر الماجن الكبير أبو الشبل
(١) انظر فى أبى الشبل وأخباره وأشعاره طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٣٨٠ والأغانى (طبع دار الكتب المصرية) ١٤/ ١٩٣ ومعجم الشعراء للمرزبانى ص ١٢٣ والديارات للشابشىّ ص ٥٠ وما بعدها.