للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - شعره]

يمتاز الأعشى بكثرة قصائده الطويلة، كما يمتاز بكثرة تصرفه فى فنون الشعر من مديح وهجاء وفخر ووصف وخمر وغزل. أما المديح فقد قالوا إنه أول من سأل بالشعر واستجدى بالقريض (١) واتخذه متجرا يطوف به البلاد (٢)، وحقّا سبقه غير شاعر إلى المديح كزهير والنابغة، ولكن أحدا منهم لم يحرص على الاستعطاء وطلب النوال كما حرص الأعشى فقد طاف فى أطراف الجزيرة العربية يمدح السادة والأمراء، ذاكرا ما يفيضون عليه من الإبل والجياد والإماء وصحاف الفضة وثياب الخز والديباج، منوها فى أثناء ذلك بسؤاله لهم، غير مبق على شئ من نفسه. ومعانى المديح عنده لا تفترق عن المعانى العامة فى مدائح الجاهليين، فهو ما ينى يمدح بالكرم والشجاعة والوفاء وعون الضعفاء فى القبيلة، وكثيرا ما يعرض لجيوش ممدوحه إذا كان أميرا أو شيخا لقبيلته مصورا ما تنزله على الأعداء من التقتيل والنكال، وقد يطيل فى وصف ما تشنه من غارات على الأعداء، وفى تضاعيف ذلك يورد على ممدوحه ثناء مفرطا.

ومن أهم ما يميز مديحه بالقياس إلى الجاهليين كثرة إسرافه فيه، ولا نقصد الإسراف فى الأوصاف من حيث هى وإنما نقصد الغلوّ فيها والإفراط، بحيث يعد مقدمة لمبالغات العباسيين فى مدائحهم. وقد يكون ذلك من أثر رغبته الشديدة فى العطاء، وقد يكون من أثر الحضارات التى ألمّ بها فى طوافه، وهذا هو معنى ما نقوله من أنه يشبه العباسيين، فذوقه فى المديح يقترب من ذوقهم وما نعرفه عندهم من غلوّ دفعهم إليه ملق الخلفاء والوزراء بنفس الباعث الذى بعث الأعشى على إفراطه فى مديحه، ونقصد طلب النوال والعطاء الجزيل. واقرأ له هذه القطعة من مديحه لقيس بن معد يكرب إذ يقول:

وسعى لكندة سعى غير مواكل ... قيس فضرّ عدوّها وبنى لها


(١) ابن سلام ص ٥٤.
(٢) العمدة لابن رشيق (الطبعة الأولى) ١/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>