للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصير أخيه المأمون. واستولى المرابطون على بقية مدن الأندلس ما عدا سرقسطة إذ رأى ابن تاشفين أن تترك لأمرائها البواسل الذين ينازلون مجاوريهم من نصارى الشمال وينكّلون بهم. وأبى أمير بطليوس المتوكل عمر بن المظفر تسليم مدينته للمرابطين، وحاربهم ودارت عليه الدوائر فقتل من دونها هو وولدان له، وكان مثل المعتمد بن عباد أديبا كاتبا شاعرا، وأحالا مدينتيهما: إشبيلية وبطليوس إلى كعبة للقصاد من الأدباء والشعراء وقبلة لآمالهما، فاجتمع عندهما من الشعراء ما لم يجتمع عند أحد من أمراء الطوائف، وبذلك أعادا سيرة سيف الدولة فى حلب والرشيد فى بغداد، وكتب للمعتمد أن يعيش بضع سنين، فبكى دولته، وأهم شاعر بكاها مثله ابن اللبانة، وحرىّ أن نخص كلا منهما بكلمة، وبالمثل بكى ابن عبدون شاعر المتوكل دولته ببطليوس، وسنخصه مثلهما بكلمة موجزة.

المعتمد (١) بن عباد

هو المعتمد محمد بن المعتضد عباد أمير إشبيلية، من سلالة النعمان بن المنذر اللخمى أمير الحيرة فى الجاهلية رزق به المعتضد سنة ٤٣١ ونشأ فى الحلية والزينة والترف، وكان المعتضد أديبا مثقفا، فكان طبيعيا أن يعنى بتربيته وأن يحضر له المعلمين من فقهاء وعلماء بالعربية وكانت فيه فطنة وذكاء، وشبّ وتفتحت ملكته الشعرية. ورأى أبوه وهو لا يزال فى بواكير شبابه أن يعهد إليه بحكم شلب فى الجنوب الغربى للأندلس وكانت تتبعه، ونزل المعتمد فيها بقصر الإمارة المسمّى بقصر الشراجيب، وتعرّف عليه سريعا ابن عمار الشلبى، وكان شابا مثله وفيه مجون، فأغواه وأغراه بالخمر والمجون والسماع، وترامت إلى أبيه أنباء لهوه، فاستدعاه فى نحو العشرين من عمره إلى إشبيلية، وأخذ يدربه على الحكم. وتصادف أن تعرّف سريعا على فتاة تسمى اعتماد مولاة لرميك من أهل إشبيلية، فاستهوته بجمالها وبداهتها الشعرية على نحو ما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، فاقترن بها، وهى أم أبنائه، وله فيها كثير من أشعاره، وكان أبوه قد استطاع أن يستولى بجانب شلب على مدينة الجزيرة الخضراء الواقعة على زقاق جبل طارق وقرمونة فى الشمال الشرقى لإشبيلية ولبلة وباجة فى غربيها، وطمح إلى الاستيلاء على مالقة سنة ٤٥٩ من يد باديس


(١) انظر فى المعتمد بن عباد وترجمته وأشعاره الذخيرة ٢/ ٤١ وما بعدها والقلائد ٤٠ والحلة السيراء ٢/ ٥٢ والخريدة للعماد الأصبهانى ٢/ ٢٥ والمعجب ١٥٨ والمطرب ١٤ وما بعدها والإحاطة ٢/ ١٠٨ وما بعدها وأعمال الأعلام ١٥٧ والبيان المغرب ٣/ ٢٥٧ والوافى ٣/ ١٨٣ وابن خلكان ٥/ ٢١ وما بعدها. وديوانه نشره بالقاهرة الدكتوران: أحمد بدوى وحامد عبد المجيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>