لا نريد هنا أن نتحدث عن مدّاح بنى أمية، فالمديح شئ والشعر السياسى شئ آخر. المديح ثناء يقدمه الشاعر ابتغاء النوال والعطاء، أما الشعر السياسى فنضال عن الحكم وعن نظرية معينة فيه، فهو ليس مجرد مديح، إنما هو دفاع من جهة وهجوم من جهة ثانية، دفاع عن نظرية، تعتنقها جماعة من الجماعات أو فرقة من الفرق، وهجوم على خصومها ومن يقفون فى الصفوف المعارضة لها.
وأول صورة تلقانا للشعر السياسى المناصر لبنى أمية ما أخذ ينظمه الأمويون أنفسهم من مثل الوليد بن عقبة عقب مقتل عثمان، إذ مضوا يهاجمون الثوار، الذين قتلوه، جاعلين أنفسهم أصحاب الحق فى الثأر من قتلته، فهم أهله الأقربون، ومن ثمّ فهم أولياء دمه. وكان علىّ قد بويع بالخلافة وانشق عليه طلحة والزبير والسيدة عائشة، كما انشق زعيم بنى أمية معاوية أمير الشام يسنده جيش يمنى موال له تمام الولاء. وبذلك انقسمت الجماعة الإسلامية شيعا، وأخذت كل شيعة تحاول أن تفرض رأيها السياسى باللجوء إلى السيف والقوة.
ومضى الثلاثة الأولون إلى العراق ونزلوا البصرة فتبعهم على ونزل الكوفة، وبذلك خرجت الخلافة من المدينة، ولم يلبث طلحة والزبير أن سقطا فى وقعة الجمل، فخلا الجو لمعاوية ومطالبته بالثأر من قتلة ابن عمه عثمان. وأسرع على بعد أن بايعه أهل العراق جميعا قاصدا معاوية فالتقى به عند صفّين على حدود الفرات.
ونشبت معركة عنيفة كاد ينتصر فيها علىّ انتصارا حاسما لولا ما لجأ إليه معاوية من رفع المصاحف وطلب الاحتكام إلى القرآن لا إلى السيف. وفى هذه الموقعة نظم شعر كثير تبادل فيه الفريقان الهجاء، وكل منهم يدافع عن نظريته فى الحكم وعن إمامه الذى ارتضاه مستلهما خصومة الشام والعراق فى الجاهلية وما كان من تنافس على سلطان القبائل العربية بين الغساسنة والمناذرة، على شاكلة قول كعب بن جعيل التغلبى: