للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذ ينظم أشعارا كثيرة، يثير بها الجند ويحرّضهم على القتال، ونجده فى هذه الأشعار يتحدث عن مجد ابن الأشعث القديم، وما كان لآبائه من ملك وشرف وسيادة فى الجاهلية، وهو بذلك يضع فى يدنا وثيقة سياسية لهذه الثورة، فهى كما قدمنا ثورة أشراف الكوفة الذين انحدروا من أسر العصر الجاهلى النبيلة، يقول:

يأبى الإله وعزة ابن محمّد ... وجدود ملك قبل آل ثمود (١)

أن تأنسوا بمذمّمين عروقهم ... فى الناس إن نسبوا عروق عبيد

كم من أب لك كان يعقد تاجه ... بجبين أبلج مقول صنديد (٢)

ما قصرّت بك أن تنال مدى العلا ... أخلاق مكرمة وإرث جدود

وانتهت الحرب وانتصر الحجاج، وأتى إليه بأعشى همدان أسيرا، فأخذ يستعطفه ويسترحمه ويحاول أن يلين قلبه له بقصيدة رائعة يقول فيها مشيدا بانتصاره:

أبى الله إلا أن يتمّم نوره ... ويطفئ نار الفاسقين فتخمدا

وينزل ذلاّ بالعراق وأهله ... لما نقضوا العهد الوثيق المؤكّدا

وما نكثوا من بيعة بعد بيعة ... إذا ضمنوها اليوم خاسوابها غدا (٣)

وما أحدثوا من بدعة وعظيمة ... من القول لم تصعد إلى الله مصعدا

وما زاحف الحجّاج إلا رأيته ... معانا ملقّى للفتوح معوّدا

ليهنئ أمير المؤمنين ظهوره ... على أمة كانوا بغاة وحسّدا

ولكن ذنبه عند الحجاج كان عظيما فاربدّ وجهه واهتزّ منكباه، وأمر الحرسىّ فضرب عنقه سنة ٨٣ للهجرة.


(١) ابن محمد: هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ويريد بآل ثمود قبيلة ثقيف قوم الحجاج، وكان هناك من يقول إنهم بقايا ثمود.
(٢) أبلج: طلق الوجه. مقول: خطيب. صنديد: الجواد الشجاع
(٣) خاس: غدر ونكث

<<  <  ج: ص:  >  >>