للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من طباعهن وعاداتهن وربما بعض معتقداتهن، ونرى أحد المتكلمين وهو أحمد بن حائط الذى ذكرناه منذ قليل يزعم أن المسيح تدرّع بالجسد الجسمانى وأنه الكلمة القديمة المجسدة (١).

وكان للأناجيل تأثير-من بعض الوجوه-فقد كانوا يقرءونها ويستظهرون كثيرا من كلام المسيح وأقواله فى وعظهم، وفى كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة والبيان والتبيين للجاحظ من ذلك مادة وافرة، وقد أشرنا فى غير هذا الموضع إلى ما كان من تأثير ألرهبان المنبثين فى العالم الإسلامى من أثر عام فى زهد الزهاد حينئذ، إذ كانوا يرون تقشفهم وخلوصهم للعبادة والنسك. وأشرنا أيضا فى غير هذا الموضع إلى ما كانت تقدمه الأديرة للمجان والخلعاء من خمور معتقة. ومما لا شك فيه أن المسلمين اندمجوا فى النصارى لهذا العصر اندماجا واسعا، وهو اندماج جعلهم يحتفلون بأعيادهم الدينية ويتخذون منهم كتّاب الدواوين والأطباء والمنجمين ونقلة علوم الأوائل، كما جعلهم يملئون قلوبهم أمنا ورضا دون أى عسف أو ظلم.

[٢ - الحركة العلمية]

أذكى الإسلام جذوة المعرفة فى نفوس العرب إذ دفعهم دفعا قويّا إلى العلم والتعلم، فلم يمض نحو قرن حتى أخذت العلوم اللغوية والدينية توضع أصولها، وحتى أخذ العرب يلمّون بما لدى الأمم المفتوحة من ثقافات متباينة، وقد مضوا فى هذا العصر يتقصونها وينقلونها بكل موادها إلى لغتهم، ونهض التعليم حينئذ نهضة واسعة، وعادة كان الناشئ يبدأ بالتعلم فى الكتاتيب حيث يتعلم مبادئ القراءة والكتابة وبعض سور القرآن الكريم وشيئا من الحساب وبعض الأشعار والأمثال (٢)، وكان بعض معلمى هذه الكتاتيب يعلمون الناشئة أيضا السنن والفرائض والنحو والعروض (٣). وكانوا يؤثرون فى تعليم البنات تحفيظهن القرآن الكريم وخاصة سورة


(١) الشهرستانى ص ٤٢.
(٢) البيان والتبيين ٢/ ١٨٠.
(٣) البيان والتبيين ٢/ ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>