مما أتاح له أن يشغل منصب الخطابة فى الجامع الأعظم، كما أتاح له هذه الأبنية الشعرية المحكمة فكرا وصياغة.
[(ج) ابن معمر]
هو أبو على الحسن بن موسى بن معمر الهوّارى الطرابلسى، كان فقيها ممتازا وشاعرا نابها مثل ابن أبى الدنيا معاصره، وفيه يقول التجانى فى رحلته: «أحد أرباب الرتب الجامعين بين رياسة الفقه ورياسة الأدب. ولد بطرابلس سنة ٦٠٩ وقرأ بها يسيرا، ثم توجه إلى (مدينة) المهدية (بتونس) للقراءة بها على الفقيه أبى زكريا البرقى» ويقول أيضا: «كان فقيها مفوّها خطيبا لسنا» وطمحت نفسه للنزول بتونس عاصمة الدولة الحفصية لعله يأخذ مكانه بها بين فقهائها وأدبائها ونزلها. ولفت إليه الأنظار بتعمقه فى المذهب المالكى، مما أتاح له أن يتولى مناصب متعددة فى دولة الخليفة المستنصر الحفصى (٦٤٧ - ٦٧٥ هـ) إذ أسند إليه منصب القضاء فى كثير من بلاده فى إفريقية التونسية وفى الجزائر مثل باجة التونسية وبجاية الجزائرية. وولى خطة أو منصب العلامة الكبرى فى ديوان الإنشاء، كما ولى النظر فى خزانة الكتب، ويقول التجانى:«كان فى لسانه فضول كثر امتحانه به والتعرض له بسببه» وفعلا نقل إلى المستنصر عنه ما جعله يسخط عليه وينفيه إلى مدينة المهدية سنة ٦٦٧ ويعفو عنه، ولكن بعد عام كامل.
وتوفى المستنصر وخلفه ابنه الواثق (٦٧٥ - ٦٧٨ هـ) فأسند إليه النظر فى خزانة الكتب بتونس، ويبدو أن فضول لسانه عاد إليه فغضب عليه رئيس الدولة ابن أبى مروان، فأدخله السجن تأديبا، ثم ردّت إليه حريته إلى أن فارق دنياه سنة ٦٨٣ للهجرة. وأنشد له التجانى بعض أشعاره، من ذلك قوله متغزلا:
ولا وقفت أصيلانا بربعكم ... ولا سقيت رباه من دمى ديما (١)
ولا نثرت عقيق الدمع فى طلل ... منه أذيع الذى قد كان مكتتما
شمل السلوّ شتيت بعد بعدكم ... وطالما كان قبل اليوم ملتئما
البين يقطع منه كل متّصل ... والشوق ينثر منه كلّ ما انتظما
والوجد شاد بجسمى ما يهدّمه ... آه على ما بنى فيه وما هدما
وهو يقول لولا جمال الحور وما أودع العيون مما يشبه السقم ما هطلت سحب أجفانى بدم الدموع القانى ولا وقفت فى الأصيل بربعكم ودياركم أسقى رباها أمطارا من دمى، ولا نثرت