شئ من الإحسان، فقد كانت ملكته الشعرية خصبة، وساق له العماد وابن خلكان كثيرا من الأشعار البديعة، وحقا ليست من الأشعار التعليمية، ولكنها تدل على براعته الشعرية.
[٥ - شعراء شعبيون]
قد يظنّ من هذا العنوان أن من شعراء العصر من كانوا شعبيين ومن كانوا غير شعبيين، والحق أن صفة الشعبية هذه تشمل كل فنون الشعر وكثرة الشعراء، أما فنون الشعر فإنها جميعا كانت تصوّر حياة الشعب، فالمديح يصوّر انتصاراته ويصور مطامحه فى الحاكم العادل، ويصور الهجاء الأخلاق الذميمة التى يرى الشعب تنحيتها عن المجتمع وأفراده.
وشعر الغزل كان يصوّر فى كثير من جوانبه العلاقة الخالدة بين الرجل والمرأة، بينما شعر الزهد كان يصور من بعض جوانبه حياة الشظف والحرمان، وحتى شعر اللهو كان يصور أيضا من بعض جوانبه قصف الشعب فى أعياده.
فليس هناك انفصال بين فنون الشعر العربى والشعب، وكذلك ليس هناك انفصال بين الشعراء والشعب، فقد كان جمهورهم من طبقاته الدنيا، وكانوا يحملون فى صدورهم أحاسيسها ومشاعرها، ويصدرون عنها فى أشعارهم. ولا بد أن نلاحظ أنه كانت هناك عوامل مهمة عملت على وصل الشعر العربى بشعوبه فى بغداد وغير بغداد وفى مقدمتها أن الثقافة كانت عامة، وكانت حقا للجميع، إذ كانت تلقى فى المساجد يوميا، يلقيها كبار العلماء، والناس يتحلّقون من حولهم، وكلّ يجد ما يريد من لغة ونحو ومن فقه ومن قراءات ومن حديث نبوى ومن دروس أدبية يروى فيها الشعر ويعرض العلماء لما فيه من فنون البلاغة والنقد.
لم تكن هناك حواجز ولا أسوار تفصل بين أى فرد من أفراد الشعب وبين الغذاء بكل ما يريد من ألوان الثقافات شعرا وغير شعر. وقد أتاح ذلك لكثيرين فى مراحل متأخرة من حياتهم أن يصبحوا علماء فى هذا الفن أو ذاك. ولم يكن يشترط فيمن يحضر حلقات العلماء والأدباء أى شرط، ولذلك كان يحضرها كثير من الأميين، وأتاح ذلك لنفر منهم أن يصبحوا شعراء. ومن يرجع إلى كتب التراجم يصادفه من حين إلى آخر شاعر أمى أو شاعر من أصحاب الحرف والصناعات، نذكر منهم الخباز الموصلى، وله ترجمة فى كتاب