للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لربّما عادت الدّنيا لمعقلها ... منكم وأضحت بكم محلولة العقل (١)

والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم ... ولا نجا من عذاب النار غير ولى

وهو فى البيت الأول يعلن الثورة صريحة على صلاح الدين زاعما أنه ربما عادت الدنيا لمعقلها، وكأنما غاب عن صوابه ورشده أن أداة الحكم فى هذا المعقل كانت قد فسدت فسادا لاحدّ له، وبلغ من فسادها أن استلب الصليبيون فلسطين من مصر وأغاروا على القاهرة. وأراد الله لمصر بل للعرب أن تردّ القوس إلى باريها، وأن يبدأ صلاح الدين حكمه بالقضاء على هذا المعقل الفاطمى إلى الأبد. وكأنما أصابت العقيدة بصر عمارة بغشاوة، فلم ير الحقيقة، وقد مضى يتوعّد مبغض الفاطميين بالنار وسوء المصير، وتمادى فى هذا الغىّ والضلال ملوّحا بيده فى وجه صلاح الدين زاعما أن الأئمة الفاطميين باب النجاة وأن حبهم أصل الدين، يقول:

أئمة خلقوا نورا فنورهم ... من نور خالص نور الله لم يفل (٢)

والله لا زلت عن حبّى لهم أبدا ... ما أخّر الله لى فى مدّة الأجل

فالأئمة الفاطميون نور خالص، نور شفاف، وهو فيض من نور الله، لا تشوبه أى مادة، وهو غلو واضح فى تصور الأئمة كان يردده شعراؤهم. وكتب لعمارة أن يظل يردده حتى بعد زوال دولتهم، بل إنه ليعلن أنه سيظل على حبهم حتى الأنفاس الأخيرة من حياته. وكأنه كان يظن أن دولتهم ستعود إذ تسوّل له نفسه أن يشترك مع ثمانية من أعوان الفاطميين، فى مؤامرة كبيرة ضد صلاح الدين وكاتبوا الفرنج الصليبيين طالبين منهم مددا، وعرفت نيتهم ومؤامرتهم، فأحيط بهم، وأعدموا فى يوم السبت ثانى شهر رمضان سنة ٥٦٩ بالقاهرة. وكان لابد لعمارة أن ينتهى هذه النهاية المفجعة بعد أن كاد لدولة صلاح الدين بلسانه وهمّ أن يكيد بيده، وكأنما غطّى القدر-كما يقول العماد-على بصره. وقد طبعت له مصنفات مختلفة، منها أخبار اليمن نشر كاى، ومنها مختصر المفيد فى أخبار صنعاء وزبيد، ومنها النكت العصرية فى أخبار الوزراء المصرية.

[٢ - شعراء الدعوة الزيدية]

تحدثنا فى الفصل الأول عن النحلة الزيدية وأنها كانت أكثر نحل الشيعة اعتدالا،


(١) العقل: جمع عقال.
(٢) يفل: يأفل: يغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>