فيه أو قل يشترط فيه أن يكون فقيها، ولكن دون تصور علم لدنّى يهبط عليه. واشترطوا فى الإمام أن يكون كريما سمحا عادلا شجاعا. ونهوا عن ذم الصحابة وأبى بكر وعمر، لأنهم لم يبايعوا عليا بالخلافة، وجوّزوا إمامة المفضول من غير ذرية على بن أبى طالب على الأفضل من ذريته. وعقيدتهم بذلك لا تبعد كثيرا عن عقيدة أهل السنة ولذلك كان يقال من قديم إنهم أكثر الفرق الشيعية إنصافا واعتدالا (١).
[٥ - الزهد والتصوف]
كانت موجة الزهد فى هذا العصر لا تقل حدة واتساعا عنها فى العصور السابقة، ومعروف أن القرآن دعا إليه مرارا كما دعا الرسول فى أحاديثه النبوية إلى الزهد فى عرض الحياة الدنيا وطلب ما عند الله من ثواب الآخرة، وبذلك كان الزهد من طوابع الحياة الإسلامية المستقرة فى الأمة. وأخذت تتكون منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم طبقات كثيرة من الزهاد المتقشفين الذين ينبذون وراء ظهورهم مباهج الحياة ويتجردون لعبادة ربهم.
ونراهم فى هذا العصر بكل بلد من بلدان العالم الإسلامى يعدّون بالعشرات بل بالمئات، ويمكن أن نسلك فيهم بصفة عامة طبقات الفقهاء، فمن يقرأ فى طبقات الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يجد المترجمين لهم يسوقون أخبارا كثيرة عن مدى ما كان يأخذ به الفقهاء من كل مذهب أنفسهم من التقشف وطمأنينه النفس القانعة مع ما يذكر من أن هذا الفقيه أو ذاك اعتكف فى بيت الله خمسين سنة أو أنه صام حياته أو أنه صام خمسا وسبعين سنة. وتسوق كتب التاريخ أسماء زهاد كثيرين ومن يرجع إلى المنتظم لابن الجوزى وابن الأثير وابن تغرى بردى سيراهم يذكرون فى وفيات السنوات أسماء كثرة من الزهاد، فمثلا فى سنة ٣٤٨ توفى جعفر بن حرب وكان فى نعمة كبيرة، فاجتاز يوما بموكبه، فسمع قارئا يقرأ: {(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)} فصاح: بلى والله قد آن، ونزل عن دابته وفرق جميع أمواله ولزم العبادة حتى مات. وفى نفس السنة توفّى عالم زاهد كان يصوم الدهر ويفطر كل ليلة على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة تصدق بذلك الرغيف وأكل تلك اللقم التى استفضلها. وفى سنة ٣٨٤ توفّى