مبتهج، وزمانه من حوله كله طرب طربا يفوق طرب الأوتار والأنغام واللحون. ولما فى هذه القطعة وسابقتها من وجد صوفى مندلع خمّسهما عبد الغنى النابلسى مع أبيات متصلة بهما لم ننشدها، وهو وجد كان لا يزال يملأ قلب عفيف الدين غبطة وابتهاجا.
عبد الغنى (١) النابلسى
هو عبد الغنى بن إسماعيل النابلسى الدمشقى الحنفى، كان أبوه من فقهاء دمشق الأحناف، وكانت له حلقة بجامعها الأموى. ودرس فيها بالمدرسة القيمرية وبجامع السلطان سليم، ورحل إلى حلب والقسطنطينية والقاهرة واستقر بدمشق. وولد له فيها ابنه عبد الغنى سنة ١٠٥٠ للهجرة، وعنى بتعليمه بعد حفظه للقرآن الكريم، فلقنه المذهب الحنفى، ودفعه إلى حلقات العلماء فى دمشق يأخذ عنهم العربية والفقه والحديث النبوى والتفسير، وأكبّ على كتب الصوفية يقرؤها.
وسرعان ما نضج علميا وهو لا يزال فى العشرين من عمره فأخذ يقرأ الدروس ويلقيها على طلابه، مما جعله يكثر من التأليف والتصنيف حتى لتبلغ مصنفاته ٢٢٣ مصنفا، وقد استغرقت فى كتاب سلك الدرر للمرادى سبع صفحات. واستيقظت ملكته الشعرية مبكرة، وأخذ يعنى بالتصوف، فانتظم فى الطريقة القادرية ثم فى الطريقة النقشبندية، وله فيها مخطوطة بدار الكتب المصرية عنوانها: مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية، ثم جذبه إليه مذهب ابن عربى الصوفى الفلسفى، وكأنما عاش به وفيه وله، إذ يصدر عنه بوضوح فى ديوانه الصوفى. ديوان الحقائق ومجموعة الرقائق، وهو فيه يجاهر بأنه يؤمن بوحدة الوجود التى آمن بها من قبله إمامه ابن عربى، ويردّد دائما: ليس فى الكون سواه، فلا موجود إلا به، وما الكائنات إلا صورة له، يتجلّى فيها بأسمائه وصفاته، يقول:
إنه الله وجود واحد ... حكمة فينا حرام وحلال
وهو حقّ وسواه باطل ... قال فى القرآن والسبع الطّوال
أينما أنتم تولّوا ثمّ وج ... هـ الإله الحقّ محمود الفعال
(١) انظر فى عبد الغنى النابلسى وأشعاره وأخباره كتاب سلك الدرر ٣/ ٥٣٠ ومفحة الريحانة ٢/ ١٣٧ وتاريخ الجبرتى ١/ ١٥٤ وله ديوان الحقائق ومجموع الرقائق فى صريح المواجيد الإلهية والتجليات الربانية والفتوحات الأقدسية: طبع قديما بمصر بالمطبعة الأشرفية فى ٤٧١ صفحة من القطع المتوسط.