على بلدان مختلفة من العالم الإسلامى، وإلى ذلك يشير تلميذه صفوان الأنصارى فى مدحه له قائلا:
له خلف شعب الصّين فى كل ثغرة ... إلى سوسها الأقصى وخلف البرابر
رجال دعاة لا يفلّ عزيمهم ... تهكّم جبار ولا كيد ماكر
وأوتاد أرض الله فى كل بلدة ... وموضع فتياها وعلم التشاجر
فهو قد أرسل دعاته الذين يفحمون خصومهم بالبراهين السديدة ويعلون عليهم كلما ناظروهم أو جادلوهم ويقول إن منهم دعاة تغلغلوا فى بلاد البربر إلى منطقة السوس. وفى كتاب فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة أن واصلا أنفذ إلى المغرب تلميذه عبد الله بن الحارث فتبعه الخلق، وفيه أن المعتزلة حاربت مع إبراهيم بن عبد الله أخى النفس الزكية حين ثار على أبى جعفر المنصور وأن بشيرا الرحال المعتزلى قتل معه فى موقعة باخمرا سنة ١٤٥ هـ وأن أبناءه لحقوا بالمغرب وغلبوا على مدن فيه أظهروا فيها دعوة الاعتزال. وفى الكتاب نفسه أن للمعتزلة فى بلد تدعى البيضاء مائة ألف يحملون السلاح يعرفون بالواصلية، وفيه أيضا أنهم كثيرون فى طنجة، وأن رئيسهم هناك إسحاق بن محمود بن عبد الحميد هو الذى أيد إدريس بن عبد الله مؤسس الدولة الإدريسية حين ورد عليه وأنه أدخله فى الاعتزال وكأن الدولة كانت دولة معتزلة، وأظن فى ذلك ضربا من المبالغة وكانوا كثيرين فى بلاد إدريس الثانى، ولعله كان يعطف عليهم لنصرة أسلافهم لإبراهيم بن عبد الله أخى النفس الزكية، ونجد ابنه محمدا يبنى جنوبى مدينة القصر الكبير مدينة يسميها البصرة، ولعله بناها لهم ذكرى لمدينة أستاذهم واصل بن عطاء ومرّ بنا فى الجزائر حديث مماثل عن المعتزلة، ولم يفكروا هنا ولا هناك فى دولة أو ما يشبه الدولة.
(د) الظاهرية (١)
الظاهرية أو أصحاب المذهب الظاهرى ينسبون إلى أبى سليمان داود بن على بن خلف الأصبهانى الظاهرى المتوفى سنة ٢٧٠ للهجرة وكان فى أول أمره فقيها شافعيا يتعصب لمذهب الإمام الشافعى تعصبا شديدا، ثم استقل عنه وأسس له مذهبا سمى مذهب أهل الظاهر، وهو مذهب أساسه إنكار القياس فى الفقه ومسائل التشريع، لأن القياس عقلى والدين إلهى ولا يحتكم فى الإلهى أو ما هو إلهى إلى العقل أو ما هو عقلى، ويكفى لبيان الأحكام التشريعية ما فى القرآن الكريم والحديث النبوى من عموم، وتأسيسا على ذلك ينبغى الوقوف عند ظاهر الكتاب
(١) انظر النصوص الواردة فى المعيار للونشريسى (طبعة حجرية بفاس) ٢/ ٣٦١ وروض القرطاس لابن أبى زرع ١٩٥ والمعجب للمراكشى (طبعة القاهرة) ص ٣٥٤ وما بعدها ووفيات الأعيان لابن خلكان: ترجمة يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن.