تجد هنا ولا هناك كلمة متوعرة ولا لفظا ضعيفا، إنما تجد روعة الأسلوب دائما وجزالته وعذوبته ونصاعته، مع دقة العبارات واستيفائها لمعانيها، ومع الألفاظ المستحسنة فى الآذان وعلى الأفواه، الألفاظ التى تغذى العقول برحيقها الصافى وتشفى القلوب والنفوس.
وهذا الأسلوب البالغ الروعة الذى ليس له سابقة ولا لاحقة فى العربية هو الذى أقام عمود الأدب العربى منذ ظهوره، فعلى هديه أخذ الخطباء والكتاب والشعراء يصوغون آثارهم الأدبية مهتدين بديباجته الكريمة وحسن مخارج الحروف فيه، ودقة الكلمات فى مواضعها من العبارات بحيث تحيط بمعناها، وبحيث تجلّى عن مغزاها، مع الرصانة والحلاوة. وكان العرب-ولا يزالون- يتحفّظونه، فهو معجمهم اللغوى والأدبى الذى ساروا على هداه، مهما اختلفت أقطارهم أو تباعدت أمصارهم وأعصارهم. يقول الجاحظ:«وكانوا يستحسنون أن يكون فى الخطب يوم الحفل وفى الكلام يوم الجمع آى من القرآن فإن ذلك مما يورث الكلام البهاء والوقار والرقة وسلس الموقع. وقال الهيثم بن عدى:
قال عمران بن حطّان: إن أول خطبة خطبتها عند زياد-أو عند ابن زياد-فأعجب بها الناس وشهدها عمى وأبى، ثم إنى مررت ببعض المجالس فسمعت رجلا يقول لبعضهم: هذا الفتى أخطب العرب لو كان فى خطبته شئ من القرآن» (١). وما ذلك إلا لفتنتهم بأسلوبه وإحكام نظمه، فإنك تجد العبارة منه، بل اللفظة، حين تأتى فى سياق كلام كاتب أو خطيب أو شاعر تضئ، كأنها الشهاب الساطع. ولا يزال أدباء العرب يستقون من فيضه وينهلون من نبعه الغزير ما يقوّم ألسنتهم، ويكفل لهم إحسان القول بدون تكلف أو تعمل أو اجتلاب للألفاظ من بعيد.
[٤ - الحديث النبوى]
الحديث هو كل ما حكى عن النبى صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وهو بذلك ليس جميعة أقوالا له، بل منه ما يسمّى باسم