للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآثار وهى ما رواه الرواة حكاية عن خلقه أو عمله أو فى شأن من شئونه.

وضم إليه الرواة كثيرا مما حكى عن الصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين، إذ كانوا يقتدون به فى أقوالهم وأفعالهم عملا بقوله تعالى: {(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)} ويقول الجاحظ: «كانوا يكرهون أن يقولوا سنّة أبى بكر وعمر، بل يقال: سنة الله وسنة رسوله» (١). وفى ابن سعد عن صالح بن كيسان قال:

«اجتمعت أنا والزّهرى ونحن نطلب العلم فكنا نكتب السّنن، قال: وكتبنا ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: ثم قال: نكتب ما جاء عن الصحابة فإنه سنّة، قال: قلت إنه ليس بسنة، فلا نكتبه، قال: فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيّعت (٢)».

وأهمية الحديث ترجع إلى أن القرآن الكريم يذكر أصول الدين الإسلامى وأحكامه مجملة دون تفصيل وأنه هو الذى يفصّلها، فالقرآن مثلا لم يذكر تفاصيل الصلاة والزكاة وهما من أهم أركان الإسلام، بل اكتفى بمثل قوله تعالى {(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)} وفصّل الحديث أوقات الصلاة وكيفياتها، كما فصل القواعد والأسس التى يجب اتباعها فى جمع الزكاة وتوزيعها. وهذان أمران من مئات الأوامر التى تناولتها أفعال الرسول وأقواله. فهو الذى بيّن أحكام الشريعة وصوّرها عمليا كما صور المبادئ الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية التى جاء بها الرسول. وبذلك كان مكملا للقرآن، وخاصة حين تجمل أحكامه أو ينبهم المراد من معنى بعض آياته، فقد روى عن على بن أبى طالب أنه لما أرسل ابن عباس ليحاجّ بعض الخوارج أوصاه بأن لا يعارضهم بالقرآن لأنه حمّال أوجه، ويحتمل معانى مختلفة، وبأن يكون عماده السّنة فلا يجدوا منها مخرجا (٣).

وكان الصحابة يروون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى حياته وكان هو نفسه يحثهم على ذلك، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله: «اللهم ارحم خلفائى قلنا


(١) الحيوان للجاحظ (طبعة الحلبى) ١/ ٣٣٦.
(٢) طبقات ابن سعد (طبعة أوربا) ج ٢ ق ٢ ص ١٣٥.
(٣) نهج البلاغة (طبعة بيروت) ٢/ ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>