للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإباضيين فى البصرة بألف دينار ليشتروا له كتبا بها، فاشتروا له كثيرا من الكتب وأرسلوها إليه على أربعين بعيرا كما يقول البارونى فى الأزهار الرياضية. وما زال خلفاؤه يجمعون لتلك المكتبة الكتب مسمين لها باسم المعصومة حتى بلغت ثلاثمائة ألف كتاب فى الدراسات الدينية واللغوية والرياضية وغير الرياضية من علوم الأوائل، وهالت أبا عبيد الله داعية العبيديين حين استولى على تاهرت سنة ٢٩٦ للهجرة، فأمر بإحراقها ما عدا الكتب الخاصة بعلوم الأوائل من طب وغير طب.

وظل الاهتمام بجمع الكتب لمكتبات المساجد مطردا فى عهد الدولة الحمادية، ولها وللمدارس والزوايا فى عهد الدولة الزيانية. وينوه المؤرخون بما كان فى زاوية إبراهيم التازى بالقرن التاسع الهجرى من خزائن متعددة مكتظة بالكتب العلمية. وظلت-طوال القرون المختلفة فى العصر-الكتب تهاجر مع طلبة العلم الوافدين على المشرق إلى الجزائر، وظلت تودع فى المكتبات المختلفة للزوايا والمدارس والمساجد. ومن يقرأ تراجم العلماء فى كتاب مثل عنوان الدراية يشعر أنه لم يؤلف فى المشرق ولا فى تونس والأندلس كتاب مهم إلا نقل إلى الجزائر: فى القراءات والتفسير أو الحديث النبوى أو الفقه المالكى أو النحو أو الأصول أو المنطق أو علوم الأوائل وخاصة كتب الشفاء والنجاة والإشارات والتنبيهات لابن سينا، وبالمثل كتب ابن رشد الأندلسى. فالتيار العلمى فى الأقطار العربية كان جارفا، وكانت كتبه شرقا وغربا تصبّ فى مكتبات كل بلد عربى جزائر وغير جزائر، فيما بها من مساجد وزوايا ومدارس. وكثير من الأسر التى كانت تتوارث العلم اشتهرت باقتنائها مكتبات كبيرة مثل أسرة الفكون فى قسنطينة، وكان بالجزائر هواة للكتب ينفقون فى جمعها أموالا طائلة، وكانوا منبثّين لا فى المدن فحسب بل أيضا فى الواحات والصحارى، ويذكر العياشى فى القرن الحادى عشر الهجرى برحلته أن مكتبة شيخ يسمى محمد بن إسماعيل تيكوران كانت تضم نحو ألف وخمسمائة كتاب، فما بالنا بما ضمته مكتبات المساجد والمدارس والزوايا.

[(ج‍) نمو الحركة العلمية]

أخذت الحركة العلمية تنمو فى الجزائر منذ القرن الثانى الهجرى، وخاصة منذ عهد الدولة الأغلبية إذ كانت ترعاها فى شرقىّ الجزائر فى بونة (عنابة) وقسنطينية وطبنة وغيرها من البلدان. وتأسست منذ سنة ١٦٠ للهجرة فى غربى الجزائر بمدينة تاهرت الدولة الرستمية الإباضية، وظلت طوال قيامها حتى سنة ٢٩٦ للهجرة ترعى العلم والعلماء، ويعدّ الأستاذ محمد على دبوز فى الجزء الثالث من كتابه: تاريخ المغرب الكبير عشرات منهم قائلا إن الدولة الرستمية كانت دولة العلم والمعرفة وإن العلماء كثروا فيها، وزخرت بهم مدنها وقراها، حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>