للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكبر الظن أنه اتضح كيف أن الشعر فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجرى على كل لسان، ويكفى أن نرجع إلى سيرة ابن هشام فسنرى سيوله تتدافع من كل جانب، وحقّا فيها شعر موضوع كثير، ولكن حينما يصفّى وحين نقابل عليه ما ارتضاه ابن سلام وغيره من الرواة الموثوق بهم نجدنا إزاء ملحمة ضخمة تعاون فى صنعها عشرات من الشعراء والشاعرات.

[٣ - الشعر فى عصر الخلفاء الراشدين]

عمّت أضواء الإسلام فى الجزيرة العربية كلها منذ السنة التاسعة للهجرة، فقد أعلن فى الحج لهذه السنة أنه من شعائر الإسلام وأن الجزيرة دار المسلمين، وبذلك قضى على الوثنية فى أنحائها قضاء مبرما من جهة، وأصبح الإسلام والعروبة شيئا واحدا من جهة ثانية، وهذا هو السر فى نشوء نظام الولاء حين فتحت البلاد الأجنبية، فإنه كان حتما على من يسلم أن يلتحق بقبيلة عربية ويصبح كأنه فرد من أفرادها.

ولم يكد يتسلّم أبو بكر الصديق مقاليد الخلافة حتى طغت على الجزيرة موجة حادة من الردة، إذ امتنع كثير من العرب عن أداء الزكاة على شاتهم وبعيرهم، فاستشار الصدّيق كبار الصحابة فيما يصنع، فكلهم قالوا: إنه لا طاقة لنا بقتال العرب جميعا، فقال: «والله لأن أخرّ من السماء فتخطفنى الطير أحبّ إلى من أن يكون رأيى هذا» ثم صعد المنبر فخطب الناس خطبة مشهورة قال فيها: «والله لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه» ثم نزل فوجّه الجيوش إليهم بقيادة خالدين الوليد وغيره. وكانت قبيلة أسد قد تجمعت حول متنبئ ظهر فيها يسمى طليحة بن خويلد، وانضمت إليها غطفان. وعبثا حاول من حسن إسلامهم فى القبيلتين أن يردوهما عن غيّهما، ولم يلبث أن التقى بهما خالد عند بئر بزاخة، فنكّل بهما تنكيلا شديدا، استسلمتا على إثره. واتجه خالد توّا إلى تميم ومتنبئتها سجاح فلم تلبث بعد مناوشات صغيرة أن أذعنت له،

<<  <  ج: ص:  >  >>