للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما حرّرته مجارى أقلامه، والوقيعة فيه، تمرد بحكم خالقه وباريه، ومجارى الأشياء على قدر طباعها، وبحسب ما فى قواها وأوضاعها، ومن ذا الذى يلوم الأراقم على النّهش بالأنياب، والعقارب على اللسع بالأذناب، وأنىّ لها أن تذمّ، وقد أشربت خلقتها السم وحكم الله فى كل حال مطاع، وبأمره رضا واقتناع».

ولغة العتبى سهلة ليس فيها ألفاظ غريبة، وسجعه ينزلق عن الألسنة فى يسر، وليس فى الكلام ما يعوق جريانه من عقد الجناس وما يتصل بالجناس، مما يتعثّر فى الأفواه.

رشيد الدين (١) الوطواط

هو محمد بن محمد بن عبد الجليل العمرى الملقب برشيد الدين المعروف بالوطواط لضآلة جسمه. من سلالة عمر بن الخطاب، ولد ببلخ وبها نشأ وتربى فى المدرسة النظامية، وكان شاعرا كما كان كاتبا، وله مصنفات عدة، منها: «غرر الخصائص الواضحة» وهو من كتب الأدب التهذيبى، ومنها: «حدائق السحر فى دقائق الشعر» وهو فى علم البديع والصناعة الشعرية، وضعه بالفارسية، وأمثلته فيه موزعة. بين الفارسية والعربية، وقد نقله إلى العربية الدكتور إبراهيم أمين. ونرى رشيد الدين يغادر موطنه ويلتحق فى سنة ٥٢٢ للهجرة بدواوين الدولة الخوارزمية فى عهد أميرها الطموح الباسل أتسز (٥٢١ - ٥٥١ هـ‍) ويظل بعد وفاته يعمل فى دواوين الدولة، إلى أن يبلغ من الكبر عتيّا ويهن عظمه، يدل على ذلك أن سلطان شاه محمود حفيد أتسز حين تولى مقاليد الأمور فى خوارزم سنة ٥٦٨ أراد أن يرى هذا الشاعر الهرم المريض فحملوه إليه فى محفّة، فلما مثل بين يديه نظم رباعية فى مديحه ومديح أبيه وجده باللغة الفارسية. وعاش الوطواط بعد ذلك سنوات، واختلف مؤرخوه، فقيل توفى سنة ٥٧٣ وقيل بل سنة ٥٧٨.

ويشيد ياقوت بأدبه وبلاغته قائلا: «كان من نوادر الزمان وعجائبه، وأفراد الدهر وغرائبه، أفضل زمانه فى النظم والنثر، وأعلم الناس بدقائق كلام العرب، وأسرار النحو والأدب، طار فى الآفاق صيته، وسار فى الأقاليم ذكره، وكان ينشئ فى حالة واحدة بيتا بالعربية من بحر وبيتا بالفارسية من بحر آخر ويمليهما معا» ويقول ياقوت: من مؤلفاته


(١) راجع فى الوطواط وترجمته معجم الأدباء ١٩/ ٢٩ وروضات الجنات ٧٧ وبغية الوعاة للسيوطى ومقدمة الدكتور إبراهيم أمين لتعربيه لكتاب حدائق السحر فى دقائق الشعر، وقد ضمنها ترجمة واسعة له مع ذكر مراجعه فى الفارسية. وانظر بروكلمان ٥/ ١٤٢ ورشيد الدين الوطواط (مقالة مستلة من مجلة الجامعة المستنصرية) العدد الأول سنة ١٩٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>