مرّ بنا أنه كان بالأندلس قبل الفتح العربى الإسلامى عناصر جنسية مختلفة، منها الأوربى من الغالة والبسك والجلالقة والإغريق والرومان والقاندال والقوط، ومنها الآسيوى من الفينيقيين والقرطاجنيين واليهود، ونزلها مع الفتح عرب من آسيا:
قحطانيون يمانيون وعدنانيون مضريون ونزلها معهم بربر كثيرون من أفريقيا وكانوا ينقسمون مثل العرب إلى قبيلين كبيرين: بتر وكانوا ينحازون إلى العرب العدنانيين، وبرانس وكانوا ينحازون إلى العرب القحطانيين، وجلب الحكام الأمويون إلى الأندلس كثيرين من الصقالبة، وبذلك كله كانت الأندلس مجمعا لعناصر جنسية شتى. وذكرنا- فيما أسلفنا من حديث-أن الرومان أدخلوا فيها المسيحية، وأن بعض أهلها شاركوا فى الأدب والفكر اللاتينيين ولكن لا فى موطنهم بالأندلس، وإنما فى روما نفسها حين نشأوا فيها أو هاجروا إليها. والأندلس بل جميع شبه جزيرة إيبيريا لم تستطع فى تاريخها القديم أن تضيف إلى تاريخ الحضارة الإنسانية شيئا ذا بال يذكر لها. ونزلتها منذ أوائل القرن الخامس للميلاد قبائل جرمانية متبربرة من القندال والقوط قضت-أو كادت-على ما كان بها من حضارة رومانية، وأنزلت بها ضروبا من العسف والظلم حتى كاد أهلها يستحيلون إلى ما يشبه الرقيق، سوى ما نشروا فى البلاد من الجهل، مما جعل الأندلس تلقى العرب والبربر الفاتحين بلهجة رومانسية عامية مجدبة من كل ما يتصل بالعلم والفكر والدين إلا ما كان من مجموعة القس إيزيدور الإشبيلى المتوفى سنة ٦٣٦ للميلاد وقد أشرنا إليها فى الفصل الماضى وقلنا إنها تعرض صورة ساذجة للتاريخ والعلوم ولبعض تفسيرات للكتاب المقدس، كما قلنا إنها تمتلئ بأخطاء كثيرة، وتدل-بوضوح- على ما كان يعم الأندلس وإيبيريا عامة من جهالة مطبقة وتخلف شامل فى مضمار الدين