للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونفكّ من السرور معانى أشكلت وألبست، (١) ونشكر للربيع، ما أرانا من البديع»

والرسالة كسابقتها جمال صياغة وحسن أداء، وهى تصور-مثلها-تعلقه بالطبيعة فى أعيادها وأعراسها أيام الربيع، مما جعله يصنف فيه كتابه «البديع» متنقلا بين مشاهده وأزهاره ونواويره وما صاغ فيها هو وشعراء موطنه من أوصاف رائعة.

ابن (٢) الدباغ

هو أبو المطرف عبد الرحمن بن فاخر المعروف بابن الدباغ الوزير الكاتب، نشأ بسرقسطة، وعمل بدواوينها وقرّبه المقتدر بن هود أميرها (٤٣٨ - ٤٧٥ هـ‍) حتى أصبح من وزرائه، وأحسّ منه جفوة، وخشى أن يسطو به ويبطش، فخرج عنه، ونزل بالمعتمد بن عباد فى إشبيلية، فأجزل قراه، وخصّه بحظ من دنياه، وجعله مكان سرّه ونجواه. وسفر بينه وبين المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس حين كان بيابرة.

وحدثت مشادة بينه وبين ابن عمار قرينه فى وزارة المعتمد، وبلغه أنه قدح فيه بمجلس المعتمد، وخشى مغبّة ذلك، فلحق بالمتوكل أمير بطليوس فرحب به، ويبدو أنه لم يكن موطّأ الكنف فى العشرة، إذ لم يلبث أن فسد ما بينه وبين وزير المتوكل أبى عبد الله بن أيمن، واشتعلت بينهما نار ملأ الأفق شعاعها، وأخذ بأعنان السماء-كما يقول ابن بسام-ارتفاعها، فكرّ راجعا إلى سرقسطة، وبعد فترة قليلة قتل ببستان من بساتينها.

ويبدو أن ابن الدباغ كان شديد الضجر بالناس كثير الظنون بهم أو قل سيئ الظنون، فنبا به مقامه عند المقتدر بن هود ثم عند المعتمد والمتوكل بن الأفطس، وربما دفعه إلى ذلك تشاؤم شديد جبلت عليه نفسه. وهو من كتاب عصر أمراء الطوائف النابهين، وفيه يقول ابن بسام: «فيما انتخبته من نظمه ونثره ما يشهد بفضله، ويدل على نبله». ومضى ابن بسام يعرض طرائف من رسائله امتدت إلى نحو ستين صحيفة، جميعها غرر ودرر، وأكثرها فى ذم الزمان ومعاصريه وتعذر آماله فيه، من ذلك قوله فى بعض رسائله:

«كتابى وعندى من الدهر ما يهدّ أيسره الرّواسى، ويفتّت الحجر القاسى. . ومن أقلّها قلب محاسنى مساوى، وأوليائى أعادى، وقصدى بالبغضة من جهة المقة (٣)،


(١) أشكلت وألبست: اشتبهت وانبهمت.
(٢) انظر فى ترجمة ابن الدباغ الذخيرة ٣/ ٢٥١ والقلائد ص ١٠٦ والمغرب ٢/ ٤٤٠ والخريدة (قسم شعراء المغرب والأندلس-طبع الدار التونسية) ٣/ ٣٨٧
(٣) المقة: المحبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>