للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - شعراء الطرد والصيد]

مرّ بنا فى كتاب العصر العباسى الأول أن الخلفاء والوزراء وعلية القوم شغفوا بالصيد والطّرد حينذاك وأن الشعراء وفى مقدمتهم أبو نواس نظموا طرديّات كثيرة، اختاروا لها وزن الرجز، ولأبى نواس نحو خمسين طرديّة أحسن فيها غاية الإحسان.

واستمر الخلفاء وأبناؤهم وكثير من الناس فى هذا العصر يولعون بالصيد، وممن كان يولع به من الخلفاء ولعا شديدا المتوكل، إذ كان يولع بالفهود والصيد بها كما كان يولع بالشباك. ولعل خليفة فى العصر لم يشغف بالصيد كما شغف المعتضد ومرّ بنا فى الفصل الثانى أنه كان يخرج لصيد الأسود، ويقال إنه كان يتقدّم لها وحده، وفى ذلك يقول له بعض معاصريه (١):

يا صائد الأسد إن صيدكها ... لجامع خلّتين من رشد

فلذّة تجتنى ومنفعة ... للسالكين السّبيل والقعد (٢)

ويذكر الصابى أنه كان ينفق يوميّا سبعين دينارا لأصحاب الصيد من البازياريين والفهّادين والكلاّبين (٣). وورث ابنه المكتفى عنه هذه الهواية، فكان يولع بالفهود والعقبان والصيد بهما. وكان المعتز مثلهما يخرج للصيد فى مواكب حافلة. وانتشر ذلك بين ذوى الوجاهة انتشارا واسعا، مما أهّل لازدهار شعر الطرد فى العصر، حتى كاد لا يكون هناك شاعر نابه لا ينظم فيه طرديّة بل طرديات، وقد مضوا ينظمونها فى بحور وأوزان مختلفة غير مكتفين بالرجز، إذا نحن استثنينا ابن المعتز، وكأنه رأى أن يظل متمسكا بوزنها القديم، أما معاصروه فرأوا الاتساع بها، بحيث تنظم فى أى وزن حسب مشيئاتهم الفنية، ولم يتركوا ضاريا من ضوارى الصيد إلا وصفوه ولا جارحا من جوارحه إلا نعتوه، نعتوا الكلاب


(١) المصايد والمطارد لكشاجم ص ١٧٣.
(٢) القعد: جمع قاعد.
(٣) كتاب الوزراء ص ١١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>