للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا ليس ذلك فحسب، فإن الكاتب يلائم بين الكلمات فى السياق بحيث يأتى مع الكلمة بشقيقتها ورفيقتها التى يحسن أن تصاحبها والتى تؤلف معها لونا من التجانس أو الجناس، حتى يروق السامع أو القارئ ويجذبه إليه.

وإذا مضينا إلى العهد العثمانى سمعنا-كما سمعنا فى الحقب السابقة له-عن خطباء كانوا بارعين فى الوعظ، وكان الناس يجتمعون لهم فى خطبة الجمعة وينبهرون بما يسمعون منهم من وعظ مؤثر، غير أننا لا نجد شواهد من هذا الوعظ، وقد أشاد الكاتب محمد بن ميمون فى القرن الحادى عشر الهجرى بخطابة الشيخ مصطفى بن عبد الله البونى قائلا: «له فى الخطب الساعد المشتد، والإلقاء الذى تميل إليه الهوادى (الأعناق) وتمتد، والسكينة (الوقار) التى تجذب إليها الأبصار فلا ترتد، ولم أر منذ عقلت بسنىّ، وعلقت خطابته بذهنى، أحق منه فى طريقة الوعظ والخطابة والإمامة، ولا رأيت من شيوخنا من تقدم أمامى لا جرم أنه استحوذ عليها، صناعة استوفى شرطها واستكمل أسبابها. . وكذلك هو فى وعظه آية من آيات فاطره، زعم من رآه أنه لم يسمع من حضرة الجزائر إلى أم القرى أخطب منه، ولا من يدانيه إلا واحد من الأفاضل لم يكن بمماثل» (١). وهذا الخطيب الممتاز الذى ليس له نظير فى وعظه من مدينة الجزائر إلى أم القرى: مكة لم يؤثر عنه شئ من خطابته، فما بالنا بمن لا يبلغون مبلغه من روعة الخطابة. ومن المحقق أن الأسلاف من الجزائريين أضاعوا تراثا مهما من مواعظ أدبية لو أنها وصلتنا لأمكننا أن نؤرخ للأدب الجزائرى تاريخا أكثر دقة.

٢ -

الرسائل الديوانية

طبيعى أن لا توجد الرسائل الديوانية فى أمة إلا إذا وجدت فيها دولة، واتخذت لها كتّابا يكتبون عنها الرسائل الديوانية، وكان قيام الدولة الرستمية فى تاهرت مبشرا بأن تصدر عن حكامها رسائل ديوانية مختلفة، وقد توجد الدولة وتوجد الرسائل الديوانية ولا يوجد من يهتم بتسجيلها، غير أننا نجد رسائل الدولة الرستمية تدوّن ويتناقلها كتاب متأخرون مثل الشماخى فى السير والبارونى فى الأزهار الرياضية، فمن ذلك رسالة للإمام عبد الوهاب (١٧١ - ٢١١ هـ‍) كتب بها إلى أهل طرابلس وكانوا يوالونه، وكان واليه السمح بن أبى الخطاب توفى، واستخلف بعضهم غيره وراجعوه، فكتب إليهم الرسالة التالية (٢):

«أما بعد فإنى آمركم بتقوى الله، والاتباع لما أمركم به، والانتهاء عما نهاكم عنه، وقد


(١) تاريخ الجزائر الثقافى للدكتور سعد الله ٢/ ٢١٣.
(٢) السير للشماخى (طبع قسنطينة بالجزائر) ص ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>