للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلغنى ما كتبتم إلى به من وفاة السمح واستخلاف بعض الناس «خلفا» له وردّ أهل الخير ذلك، فإن من ولّى «خلفا» من غير رضا إمامه فقد أخطأ سيرة المسلمين، ومن أبى توليته فقد أصاب، فإذا اتاكم كتابى هذا فليرجع كل عامل استعمله منكم السمح على عمالته التى ولى عليها إلا خلف بن السمح، فحتى يأتيه أمرى، وتوبوا إلى بارئكم، وراجعوا التوبة، لعلكم تفلحون».

والرسالة مع إيجازها تؤدى الغاية المطلوبة منها، إذ تبين حق الإمام وما جرى عليه عرف الإباضيين ويسميهم المسلمين، وتصف فعل من ولى خلفا بعد السمح بالخطأ لا ضد الإمام وحده بل أيضا ضد المسلمين وعرفهم، وتحرمه من أن تكون له صفة الشرعية فلا تصح له ولاية الناس بحال، ويطلب إليهم التوبة مما وقعوا فيه من إثم. وكان عهد ابنه أفلح طويلا (٢١١ - ٢٤٠ هـ‍)، وخرج عليه بعض الثوار، منهم نفاث بن نصر من جبل نفوسة إذ كان يطعن فى إمامته ويكثر من نقده، فتبادل معه عددا من الرسائل كان آخرها الرسالة التالية، وهى طويلة، ولذلك سنختصرها شيئا من الاختصار، وفيها يقول (١):

«أما بعد فالحمد لله المنعم علينا، المحسن إلينا، الذى بنعمته تتم الصالحات، ولا يهتدى مهتد إلا بعونه وتوفيقه، فله المنة علينا، وهو المحسن إلينا إذ هدانا لدينه، وجعلنا خلفا من بعد أسلافنا الصالحين، وأئمتنا المهتدين. . قد كتبت إليك غير كتاب، أنصح لك فيه، وأدعوك إلى رشدك، وفى كل ذلك لا يبلغنى من عمّالنا فيك إلا ما أكره، ولا أرضى لك فى دين ولا دنيا، حتى حررت كتابا منشورا إلى عمالنا، أمرتهم فيه بخلع كل من خالف سيرة المسلمين. وابتدع غير طريقتهم، وسار بغير سيرتهم. . فكتبت إلىّ كتابا كأنك تسخط ذلك. أترى أنى أؤازر من ابتدع فى ديننا؟ ما كنت بالذى يفعل ذلك، ولا أؤازر من يسعى فى خلافنا ما كنا على الهدى. ثم قلت إنا أمرنا فى كتابنا بالبراءة منك، فإن كنت كما كتب به إلينا عمّالنا فأنت محقوق بالبراءة (منك) ومقصىّ من جماعتنا، لأننا ما كتبنا كتابنا ذلك إلا على أن كل من ابتدع فى ديننا خلاف أسلافنا. . فهو محقوق بالبراءة (منه) ومقصىّ من جماعة المسلمين، فإن تكن أنت منهم فأنت الذى أبحت لنا البراءة منك، وأحللت بنفسك ما لا بد أن نفعله بك وبغيرك، وإن لم تكن كذلك فأظهر الانتفاء منه، وكذّب عن نفسك ما قيل عنك لتكون عندنا بالحالة التى تستحقها وتستوجبها. . . وإنّي غير كاتب إليك كتابا بعد هذا إلا إذا انتهى إلينا ما نحبّه، فننزلك من أنفسنا بحيث تحب، والله المستعان».

وأفلح متمكن من لغته بأروع مما تمكن أبوه عبد الوهاب، إذ هى فى يده سلسة القيادة،


(١) الأزهار الرياضية ٢/ ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>