اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن ينزل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم منجّما فى ثلاث وعشرين سنة. حتى تتهيأ النفوس البشرية لتلقى هذا الفيض الإلهى {(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً).} وكان أول نزوله فى شهر رمضان وفى ليلة معلومة منه هى ليلة القدر {(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)} {(إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)} وظلّ ينزل به على الرسول الكريم روح القدس جبريل بلسان عربى بليغ {(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)} {(مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ)} {(نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ).} إنه كلام الله أوحى به إلى رسوله المصطفى الذى اختاره لتبليغ آخر رسالاته إلى الناس كافّة. وكان الرسول يأمر بكتابة كل ما ينزل منه وقت نزوله، واتخذ لذلك جماعة من كرام الكاتبين مثل على وعثمان وزيد بن ثابت وأبىّ بن كعب. ومضى كثير من كتبة الصحابة يكتبونه لأنفسهم. على أنهم جميعا لم يعوّلوا على كتابته فقط، إنما عولوا أولا على حفظه وأخذه شفاها عن الرسول الأمى، الذى كان يحفظه ويتلوه على المسلمين. وساروا على سنّته يتحفّظونه ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار مرتّلين له ترتيلا.
ونصوص القرآن صريحة فى أن سوره وآياته جميعا رتّبت بوحى من الله إلى رسوله، يقول جلّ شأنه: {(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً)} {(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).} فالرسول لم