هو شمس الدين محمد بن عفيف الدين سليمان التلمسانى، نشأ أبوه فى دمشق، وخدم الدولة فى عدة جهات، وعمل كاتبا وشيخا للصوفية وانتظم فى سلكهم، ووفد على القاهرة ونزل بها فى خانقاه الصوفية الكبيرة المعروفة باسم «سعيد السعداء» وولد له حينئذ ابنه شمس الدين سنة ٦٦١. وعنى بتربيته وبدأ بحفظ القرآن الكريم، حتى إذا أتمه أخذ يختلف إلى حلقات الشيوخ، وتفتحت ملكته الشعرية مبكرة، وأخذ ينظم مدائح وغير مدائح، غير أن أباه رأى أن يعود إلى دمشق وعاد معه وظل يذكر صباه بمصر فى مثل قوله:
يا ساكنى مصر شمل الشوق مجتمع ... بعد الفراق وشمل الشكر أجزاء
والتحق أبوه بالدواوين فى دمشق، وولى هو عمالة الخزانة بها، وعاش مكفوف الرزق، وأفضى مع أنداده من شباب دمشق إلى حياة فيها غير قليل من اللهو يجتمعون فى دورهم أو فى المتنزهات، غير أنه لم يعش طويلا، إذ عاجلته المنية فى الثامنة والعشرين من عمره سنة ٦٨٨.
وقد تناول الشاب الظريف فى شعره أغراضا مختلفة من المديح وغير المديح، وأهم غرض أبدع فيه واشتهر به بين معاصريه ومن جاءوا بعدهم الغزل، لسبب طبيعى وهو أنه طالما تردد على سمعه شعر أبيه الصوفى وغيره من أشعار ابن الفارض وابن عربى، وكأنما تمثل ما فى أشعارهم جميعا من وجد قوى حار، وبثّ منه الكثير فى غزله، مصورا ما يثير الحب فى القلوب من المشاعر والعواطف والأهواء، عارضا ذلك فى لغة عذبة سهلة تلذ الألسنة والآذان والأفئدة. وفيه وفى شعره ورقته ينقل ابن شاكر عن ابن فضل الله العمرى صاحب مسالك الأبصار قوله عنه وعن شعره:
«نسيم سرى، ونعيم جرى، وطيف لا بل أخف موقعا منه فى الكرى، لم يأت إلا بما خف على القلوب، وبرئ من العيوب، رقّ شعره فكاد أن يشرب، ودقّ فلا غرو للقضب (الأغصان) أن ترقص والحمام أن يطرب، ولزم طريقة دخل فيها بلا استئذان، وولج القلوب ولم يقرع باب الآذان. . وأكثر شعره بل كله رشيق الألفاظ، سهل على الحفّاظ، ل يخلو من الألفاظ العذبة، وما تحلو به المذاهب الكلامية، فلهذا علق بكل خاطر، وولع به كل ذاكر».
(١) انظر فى الشاب الظريف وأشعاره فوات الوفيات لابن شاكر ٢/ ٤٢٢ والنجوم الزاهرة ٧/ ٣٨١ وتاريخ ابن الفرات ٨/ ٨٥ والخزانه لابن حجة الحموى ص ٢٥١ وما بعدها وديوانه مطبوع بالمطبعة الأهلية ببيروت.