للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهى شهادة قيمة لابن فضل الله فى الشاب الظريف وشعره غزلا وغير غزل، إذ يموج شعره بالرقة وحسن الجرس وجمال التناسق، مع خفة الروح، وكأنما حمل فى صباه منها غير قليل من أهل القاهرة الذين عاشرهم فى نشأته ومطالع حياته، ومن طريف غزله قوله:

لا تخف ما فعلت بك الأشواق ... واشرح هواك فكلّنا عشّاق

فعسى يعينك من شكوت له الهوى ... فى حمله فالعاشقون رفاق

لا تجزعنّ فلست أول مغرم ... فتكت به الوجنات والأحداق

واصبر على هجر الحبيب فربما ... عاد الوصال وللهوى أخلاق

يا ربّ قد بعد الذين أحبّهم ... عنى وقد ألف الفراق فراق

والأبيات تسيل رقة وعذوبة، وهى تلتصق بالنفس لا لما قاله ابن فضل الله العمرى من أن الشاب الظريف كان يستخدم الكلمات العامية، فليس فيها من العامية شئ، وربما كان أدق من ذلك أن نقول إنه كان يستخدم أساليب وألفاظا أشبه بألفاظ وأساليب اللغة اليومية المتداولة على ألسنة العامة مع أنها عربية فصيحة، مما يشيع الاستواء فى عباراته وانسجامها انسجام الماء العذب فى تحدره ورقته وانطلاقه دون أى عائق لفظى، بل مع العذوبة والحلاوة والرشاقة، على شاكلة قوله:

أعزّ الله أنصار العيون ... وخلّد ملك هاتيك الجفون

وضاعف بالفتور لها اقتدارا ... وإن تك أضعفت عقلى ودينى

وأبقى دولة الأعطاف فينا ... وإن جارت على قلبى الطّعين

وأسبغ ظلّ ذاك الشّعر منه ... على قدّ به هيف الغصون

وهو دعاء لصاحبته ملئ بالظرف والرّقّة والدمائة، فهو يدعو لأمثاله من العشاق المفتونين بسحر العيون أن يعزهم الله وأن يخلد للعيون أو الجفون هذا الملك العريض من عالم الجمال والسحر، ويدعو للعيون أن تزداد فتورا حتى يزداد سحرها وشرره تأثيرا فى القلوب. ويدعو لمثل قوامها وأعطافه أو جوانبه البديعة بالحياة السعيدة وإن أصابته فى الصميم: فى قلبه. ويستمر فى دعائه: أن يسبغ الله ظل ذاك الشعر على قدها الأهيف الضامر ضمور الغصون اللدنة المليئة بالنضرة، ويقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>