أشرنا فى غير هذا الموضع إلى أن اللغات السامية تتشابه فى كثير من الكلمات والضمائر والأعداد تشابها يثبت القرابة بينها، وهو تشابه يفيدنا فى معرفة نمو كل لغة من هذه اللغات وتطورها على مر التاريخ حتى تشكلت فى صورتها الأخيرة.
وقد أبلى علماء الساميات بلاء مشكورا فى الدراسة المقارنة لهذه اللغات من حيث الصيغ والألفاظ والتصريف والإعراب والأصوات، وهى دراسة تفيدنا فائدة جلّى فى التأريخ لكثير من الظواهر اللغوية ومعرفة قديمها من حديثها. فإن لاحظنا تشابها بين لغتين من هذه اللغات فى ظاهرة بعينها ورجعنا إلى اللغات الأخرى ووجدنا نفس التشابه كان معنى ذلك أن الظاهرة قديمة وأنها ترتقى إلى العصر الذى كانت هذه اللغات متحدة فيه. وقد يقع التشابه فى الظاهرة فى لغتين غير متجاورتين، فإما أن يرجع إلى أصل قديم، وإما أن يكون ثمرة تطور تاريخى فى كل منهما أدّى إلى نفس النتيجة، أما إذا كانتا متجاورتين كالعربية والآرامية فإما أن تكون الظاهرة قديمة ترجع إلى أزمان اتحادهما، وإما أن تكون إحداهما تأثرت الأخرى. ولعل فى هذا ما يدل على أن أسلافنا توسعوا أكثر مما ينبغى حين درسوا الدخيل فى عربيتنا، فوقفوا عند ألفاظ كثيرة وقالوا إنها سريانية آرامية، غير ملتفتين إلى أن طائفة من هذه الألفاظ ترجع إلى الأصل السامى القديم، فلا يقال إن العرب أخذوها من السريان ولا إن السريان أخذوها من العرب، بل يقال إنها من الكلمات السامية القديمة التى تداولها الساميون فى زمان اتحادهم قبل تفرق لهجاتهم وتطورها إلى لغات
(١) راجع فى هذه العناصر كتاب «التطور النحوى للغة العربية» لبرجشتراسر (طبع القاهرة -١٩٢٩) والجزء السابع من تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على ومحاضرات خليل يحيى نامى بكلية الآداب فى جامعة القاهرة.