فهو لا يشكو فراقهم بل تشكوه معه الطبيعة، وإنه ليشكو من سهاده، فالنوم لا يلمّ ليلا بطرفه، وهو يذكر ليلات سمره مع صاحبته ويدعو لها مذيبا فى دعائه حنينا حارا، ويصور نفسه، فهو مع سمره أحيانا لا يزال قلبه يتوجع، وهو مع ابتساماته تملأ الهموم أحشاءه، وإنه ليتمنى أن يجتمع بصاحبته ويقتطف ثمار وصاله ويطفئ النار التى تستعر بفؤاده.
وله بجانب هذه الأشعار الوجدانية البديعة مخمسات بنفس الروح ونفس المعانى والوجد والصبابة كقوله فى فاتحة مخمس:
خليلىّ عوجا بالغوير وكثبه ... ولا تمنعا المشتاق من لثم تربه
هو الصبّ يصبيه الهوى دون صحبه ... خذا من صبا نجد أمانا لقلبه
فقد كاد ريّاها يطير بلبّه
والغوير: ماء فى بادية الشام، والديوان يطفح بأسماء المواضع والمنازل فى نجد والحجاز. وفى ديوانه رباعية يذيب فيها وجده وحبّه قائلا:
حيّا وسقى الحمى سحاب هامى ... ما كان ألذّ عامه من عام
يا علوة ما ذكرت أيامكم ... إلا وتظلّمت على الأيام
وقد نوه القدماء طويلا بما فى شعره من انسياب موسيقى رائع، وبلغ من إعجابهم به أن سموا ديوانه «بلبل الغرام الكاشف عن لثام الانسجام» وفى دار الكتب المصرية مخطوطة شعرية له باسم: «القصائد الحجازيات فى مدح خير البريات» وهى مجموعة من المدائح النبوية، لم يضمنّ ديوانه منها شيئا.
التّلعفرىّ (١)
هو شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف المعروف بالتّلعفرىّ نسبة إلى «تلّ أعفر» بين سنجار والموصل، ويروى ابن خلكان عنه أنه ولد بالموصل سنة ٥٩٣ وبها كانت نشأته وتربيته الأدبية. وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة، فرأى أن يمدح الحكّام والأمراء على عادة الشعراء فى عصره، ولم يكتف بأمراء موطنه، فقد اتجه بمديحه أيضا إلى أمراء الشام،
(١) انظر فى ترجمة التلعفرى ابن خلكان ٧/ ٤٠، ٤٥ وفوات الوفيات لابن شاكر ٢/ ٥٤٦ والنجوم الزاهرة ٧/ ٢٥٥، ٣٧٢ والفلاكة والمفلوكون ص ٢٦٥ وشذرات الذهب لابن العماد ٥/ ٣٤٩ وديوانه طبع قديما فى القاهرة وبيروت.