للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى القرن الحادى عشر يردّ على ما كتبه العبدرى عن طرابلس فى القرن السابع وذمه لها وقدحه فيها فقد زارها فى رحلته سنة ١٠٥٩ هـ‍/١٦٥٠ م ويصفها قائلا:

«كان دخولنا لمدينة طرابلس قرب الظهر يوم الأربعاء سابع عشر رجب الفرد، وهى مدينة مساحتها صغيرة، وخيراتها كثيرة. ونكايتها للعدو شهيرة، ومآثرها جليلة، ومعايبها قليلة، أنيقة البناء، فسيحة الفناء، عالية الأسوار، متناسبة الأدوار، واسعة طرقها، سهل طروقها، إلى ما جمع لأهلها من زكاء الأوصاف، وجميل الاتصاف، وسماحة على المعتاد زائدة، وعلى المتعافين بأنواع الميرة عائدة، لا تكاد تسمع من واحد من أهلها لغوا إلا سلاما، ولو لمن استحقّ ملاما، سيما مع الحجاج الواردين، ومن انتسب إلى الخير من الفقراء العابدين، فإنهم يبالغون فى إكرامهم، ولا يألون جهدا فى إفضالهم عليهم. ولهذه المدينة بابان: باب إلى البر، وباب إلى البحر، لأن البحر يحيط بكثير من جهاتها، والحصن الذى فيه الأمير متصل بالمدينة من ناحية البر بينه وبين البحر. ولأمير هذه المدينة نكاية فى العدو-دمّرهم الله-وله مراكب قلّ نظيرها معدّة للجهاد فى البحر، قلما تسافر وترجع بغير غنيمة. وقلما أسرت لهم سفينة إلا أن تكون من سفن التجارة، لا من سفن الجهاد، فجزاهم الله خيرا، وأعانهم على ما أولاهم من ذلك وسائر بلاد المسلمين».

رحلة (١) ابن ناصر

هو أحمد بن محمد بن ناصر رئيس الطريقة الناصرية بتمكروت (قرية بوادى درعة جنوبى مراكش) وقد ولد بها لأبيه شيخ الطريقة سنة ١٠٥٧ هـ‍/١٦٤٧ م وعنى بتربيته وتثقيفه، واختلف إلى حلقات العلماء بفاس، وحج مرارا وكانت آخر حجة له سنة ١١٢١ هـ‍/١٧٠٩ م وبعد هذه الحجة كتب رحلته، وفيها سجل كثيرا عن الحركات العلمية فى البلدان العربية، ولذلك، تعد مصدرا مهما للتعرف على النشاط العلمى بها وشيوخها حينذاك. ومن قوله فى وصف موجة للحرارة عاناها مع رفاقه فى أحد شعاب الحجاز:

«نزلنا غربى الأكرة بين العشاءين، وفى هذه المسافة لما توجهنا عام تسعة (١١٠٩ هـ‍) هبّت على الناس ريح السموم، من نضيج اليحسوم، واشتد الحر وتوالى الكرب على الناس، وضاعت الحيل والإيناس، واشتد العطش على الرجال والجمال، يشرب كلّ، ولا يغنى شربه، بل يتزايد بتناول الماء كربه، لا يبين القدح والماء عن فيه إلا وتزايدت حرارة العطش له. فبركت الإبل وفرّت لظلال الأشجار، وتدخل رأسها فى أدنى ظل يبدو لها وإذا بركت لا تكاد


(١) انظر فى رحلة ابن ناصر والنص المقتبس منها كتاب الحياة الأدبية فى المغرب على عهد الدولة العلوية ص ١٧٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>