للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثالث

الحياة الجاهلية

[١ - الأحوال الاجتماعية]

كانت القبيلة فى العصر الجاهلى تتألف من ثلاث طبقات: أبناؤها وهم الذين يربط بينهم الدم والنسب وهم عمادها وقوامها، والعبيد وهم رقيقها المجلوب من البلاد الأجنبية المجاورة وخاصة الحبشة، والموالى وهم عتقاؤها، ويدخل فيهم الخلعاء الذين خلعتهم قبائلهم ونفتهم عنها لكثرة جرائرهم وجناياتهم. وكانوا يعلنون هذا الخلع على رؤوس الأشهاد فى أسواقهم ومجامعهم، وقد يستجير الخليع بقبيلة أخرى فتجيره، وبذلك يصبح له حق التوطن فى القبيلة الجديدة، كما يصبح من واجبه الوفاء بجميع حقوقها مثله مثل أبنائها.

ومن هؤلاء الخلعاء طائفة الصعاليك المشهورة، وكانوا يمضون على وجوههم فى الصحراء، يتخذون النهب وقطع الطريق سيرتهم ودأبهم، على نحو ما نعرف عن تأبط شرّا والسّليك بن السلكة والشّنفرى. على أن منهم من كان يظل فى قبيلته لفضل فيه مثل عروة بن الورد، وكان كريما فياضا، وأثر عنه أنه كان يجمع إلى خيمته فقراء قبيلته عبس ومعوزيها ومرضاها، متخذا لهم حظائر يأوون فيها، قاسما بينه وبينهم مغانمه (١).

وهذا الخلع إنما كان يحدث فى حالات شاذة، أما بعد ذلك فإن أفراد القبيلة كانوا متضامنين أشد ما يكون التضامن وأوثقه، وهو تضامن أحكم عراه حرصهم على الشرف وقد تكونت حوله مجموعة من الخلال الكريمة، لعل خير كلمة تجمعها هى كلمة المروءة التى تضم مناقبهم، من مثل الحلم والكرم والوفاء وحماية الجار وسعة الصدر والإعراض عن شتم اللئيم والغضّ عن العوراء.


(١) أغانى (طبعة دار الكتب) ٣/ ٧٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>