للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسين (١) الجزرى

هو حسين بن أحمد الجزرى الحلبى، ولد بحلب وبها نشأ لزمن العثمانيين فحفظ القرآن الكريم ثم اختلف إلى حلقات الشيوخ والأدباء وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة، وقصد به الرؤساء والحكام فى دمشق والعراق ودخل القسطنطينية واصطفاه بنو سيفا أمراء طرابلس لأنفسهم، فنظم فيهم كثيرا من مدائحه، وفيه يقول ابن معصوم: «أحد صاغة القريض. . العالم بشعار الأشعار والمقتفى لأبكار الأفكار. . راقت بدائع آدابه ورقّت، وملكت روائعه حرّ الكلام واسترقّت» ويقول الشهاب الخفاجى: «أديب له أوصاف حسنى، ومناقب هن الوشى بهجة وحسنا» توفى سنة ١٠٣٤ للهجرة. وله ديوان شعر نشر فى بيروت أولا ثم نشره الطباخ مع ديوانى مصطفى البابى والفتح بن النحاس فى مجموعته: العقود الدرية. وأشعاره موزعة بين المديح والغزل والفخر والشكوى، وكان يشغف بالحكمة ينثرها فى الشعر قائلا:

الشعر ما شاقتك منه حكمة ... لا ما يشوّقك الكثيب الأوعسا (٢)

فليس الشعر فى رأيه ما يصور نزعة الحب الإنسانية وإنما الشعر ما يفيد تجربة وخبرة وبصرا بالحياة. وهو لذلك لا يعد الشعر المشوق لديار الحبيبة ومعاهدها من كثبان وعساء وغير وعساء شعرا رفيع المنزلة فأرفع منه ما يزيدك إدراكا بالحياة من حولك، ويعرّفك كنهها وحقيقتها، يقول فى تضاعيف غزل له:

إن المحبّة محنة لا منحة ... ومن الغرام برى المحبّ المغرما

وإذا منعت الماء أول مرّة ... ووردته أخرى تذكّرت الظّما

فى كل يوم روعة أو لوعة ... والفذّ تقعده الحوادث توأما

ولقد ملئت تحاربا وتجاربا ... لن تلقنى إلا إناء مفعما

وهى أفكار يعطيها صفة التعميم مما يجعلها حكما وأمثالا، فالحب محنة لا منحة يضنى صاحبه، ومن تصدّه صاحبته أول مرة كمن يصدّ عن الماء وهو شديد الظمأ إذ لا يزال يذكر ذلك حتى لو


(١) انظر فى ابن الجزرى وشعره سلافة العصر ص ٣٩٣ وريحانة الألبا ١/ ١١٣ وخلاصة الأثر ٢/ ٨١ وانظر ديوانه فى مجموعة العقود الدرية
(٢) الكثيب: تل الرمل. الأوعس: الذى تغيب فيه الأرجل للينه

<<  <  ج: ص:  >  >>