للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يدعو فى أول زجله إلى البعد عن الحسان الملاح لأنهن يخنّ من يعاهدنه ولا يحبسن أنفسهن على من يصفيهنّ الودّ، ودائما بتهن على عشاقهن ويتمنعن ويجدن متاعا فى تقطيع قلوبهم، وإن واصلوا لم يلبثن أن يهجرن، ولا عهد لهن ولا أمان. ومع كل هذه النصائح يقول إن واحدة منهن صبته وملأت قلبه حبا وهياما وأوصى بها قلبه حتى لو أذاقته هوانا بعد هوان!

٣ -

شعراء المديح

المديح من أقدم موضوعات الشعر العربى، وهو يحمل أمجاد الأمة على مر التاريخ، ونراه دائما على ألسنة الشعراء فى كل قطر وعصر يتغنون بالأمجاد التى يحققها الخلفاء والحكام، ونراه فى المغرب الأقصى منذ نشأت دولة الأدارسة، وفيهم يقول-كما عند أبى عبيد البكرى- إبراهيم بن أيوب من نكور فى الشمال الشرقى للمغرب الأقصى على المتوسط، ولعلها فى إدريس الثانى:

أيا أملى الذى أبغى وسولى ... ودنياى التى أرجو ودينى

أأحرم من يمينك رىّ نفسى ... ورزق الخلق من تلك اليمين

ويحجب عن جبينك طرف لحظى ... ونور الأرض من ذاك الجبين

وقد جبت المهامة من نكور ... إليك بكل ناجية أمون (١)

وابن أيوب لا يمدح فحسب، بل يبالغ فى مديحه، إذ يجعل نور الأرض-فى المشارق والمغارب-يستمد من جبين ممدوحه الإدريسى. ونمضى بعد الأدارسة فى عصر أمراء الطوائف ولا نجد إلا شظايا متناثرة من بعض المدائح، ونجد ابن القابلة السبتى يمتدح قائدا ولعله من قواد المرابطين فى أول دولتهم، ولم يبق من مدحته إلا ما أنشده ابن بسام فى الذخيرة من قوله فى بعض انتصاراته ووصفه لقتلاه (٢):

تركتهم نهب الفلاة ووحشها ... شعورهم شعت وأوجههم غبر

تظلّ سباع الطير عاكفة بهم ... على جثث قد سلّ أنفسها الذّعر

وقد عوّضتهم من قبور حواصلا ... فيا من رأى ميتا يطير به قبر

وهو يقول إن أرواحهم لم تسلّها السيوف، وإنما سلها الذعر من الممدوح وجيشه قبل السيوف ويقول إن الطير عاكفة على أجسادهم تأكلهم أكلا لمّا، وكأنما لم يعد التراب


(١) المهامه: القفار والفلوات. ناجية: ناقة سريعة. أمون: لا تعثر ولا تفتر.
(٢) الذخيرة ٤/ ١/٣٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>