للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثمرها دقل (١)، وعدوها بطل، وخيرها قليل وشرها طويل، والكثير بها قليل.

إن كثر الجند بها جاعوا، وإن قلّوا بها ضاعوا». وقد أنكر عمر عليه هذا السجع فقال له: أسجّاع أنت أم مخبر (٢). وكان الخلفاء بعد عمر ينكرون السجع على محدّيثهم. وأمامنا خطب القوم، وهى تخلو خلوّا تامّا من السجع إلا ما جاء عفوا فى الحين البعيد بعد الحين. ولكنهم إذا كانوا قد أهملوا السجع فإنهم لم يهملوا جزالة اللفظ ورصانته، بل لقد كان همّ كل خطيب أن يحسن قوله وأن يصوغه صياغة رائعة.

وأخرى تلاحظ على الخطابة فى هذا العصر بالقياس إلى الخطابة الجاهلية، فإن الخطابة الأخيرة لم تكن ذات موضوع محدد، ومن ثم كانت تأخذ شكل أقوال متناثرة لا رابط بينها، أما فى هذا العصر فقد أصبح للخطابة موضوع واضح يجول فيه الخطيب ويصول، إذ يحدّث الناس واعظا، أو يعرض عليهم حدثا محددا من أحداث الإسلام، بحيث نستطيع أن نقول إن الخطبة أصبحت ذات موضوع، تلمّ بأطرافه وتفاصيله. وبذلك كله نهضت الخطابة ونهض معها النثر نهضة واسعة، فقد أخذ الخطباء يوسّعون طاقته بما يحمّلونه من معانى الإسلام وما يبسطون فى هذه المعانى ويولّدون ويفرّعون. ونحن نقف قليلا عند خطابة الرسول وخطابة خلفائه الراشدين لتتضح صور التطور التى وسّعت جنبات النثر وزادت فى معانيه ومادته بأداة البيان الكاملة وأسباب البلاغة الوافرة.

[٢ - خطابة الرسول صلى الله عليه وسلم]

على هدى القرآن الكريم كان محمد صلوات الله عليه يخطب فى العرب ليخرجهم من ظلمات الوثنية إلى نور الهداية السماوية، وقد أوتى من الّلسن


(١) دقل: ردئ. والبيان والتبيين ١/ ٢٨٥.
(٢) انظر فى هذا الخبر الطبرى ٣/ ٢٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>