البعثة إلى جزيرة فيلة وجهزها ورافقها إلى نوباديا ونجحت البعثة فى مهمتها وأخفقت بعثة الإمبراطور جوستنيان، وتوفى جوليان فعيّن مكانه أسقفا لبلاد النوبة لونجنيوس سنة ٥٦٩ للميلاد، والتفوا حوله، ودعاه ملك علوة فى الجنوب، فذهب إليها وأصبحت مسيحية يعقوبية تدين بعقيدة مصر فى طبيعة المسيح الواحدة. وأخذت دولة مقرة تدخل بدورها فى المسيحية، ويقال إنها اعتنقت أولا فكرة الطبيعتين فى المسيح ثم تركتها إلى فكرة الطبيعة الواحدة مثل نوباديا وعلوة، ونظن أنها تأخرت فى التنصر بعد نوباديا وعلوة وأنها أخذت بعد ذلك فى التنصر تدريجا على مذهبهما اليعقوبى، وأنها لم تبدأ تنصرها على مبدأ الطبيعتين كما يقال. ويبدو أن مملكة نوباديا ذابت فى مملكة المقرة ولم يعد هناك سوى مملكتين: مملكة مقرة ومملكة علوة، وذلك إما قبيل الإسلام أو بعده بقليل.
(ب) السودان (١) فى العصور الإسلامية
ذكرنا فى حديثنا عن فتح العرب لدول المغرب الأقصى أنهم لم يكونوا غزاة فاتحين طلبا لمغانم مادية إنما كانوا دعاة للإسلام مجاهدين، ونرى عبد الله بن سعد بن أبى سرح والى الخليفة عثمان على مصر بعد أن يتم له فتح ليبيا وتونس يوجه حملة إلى أرض النوبة سنة ٣١ هـ/٦٥١ م تتوغل حتى دنقلة عاصمة دولة المقرة واضطرت القائمين عليها إلى عقد معاهدة جاء فيها أن على أهل مقرة حفظ المسجد الذى بناه المسلمون بدنقلة وخدمته وإسراجه وأن لا يتعرضوا لمسلم يصلى فيه، ويؤدوا لمصر سنويا ثلاثمائة وستين من شباب رقيقهم ذكرانا وإناثا، وتعهدت مصر بإمدادهم سنويا بكميات من الحبوب والملابس. وظلت علاقات الدول الإسلامية فى مصر بمملكة مقرة النوبية قائمة على أساس هذه المعاهدة نحو ستة قرون.
وكانت قبائل البجّة السودانية تنزل فى الصعيد بالصحراء شرقى أسوان إلى دهلك (مصوع) وقامت بغارات على أسوان فى عهد المأمون العباسى فأرسل إليهم حملة بقيادة عبد الله بن الجهم سنة ٢١٧ هـ/٨٤١ م وهزمهم وأملى عليهم معاهدة قبلوها، فيها أن يؤدى ملك البجّة أو أميرهم خراجا سنويا: مائة من الإبل أو ثلاثمائة دينار وأن يحترم البجة الإسلام ولا يقتلوا مسلما. وأهم من ذلك «أن عليهم أن لا يهدموا شيئا من المساجد التى بناها المسلمون فى سائر بلادهم طولا وعرضا» مما يدل على أنه كان قد نزل بديارهم عرب مسلمون بنوا هذه المساجد، وكانت قد نزلت بينهم-قبل هذا التاريخ فيما يبدو-قبائل أو بعبارة أدق جماعات
(١) انظر فى هذا الموضوع خطط المقريزى فى مواضع متعددة وكذلك مروج الذهب للمسعودى وتاريخ ابن خلدون والسودان عبر القرون للدكتور مكى شبيكة ص ٢٥ وما بعدها وكتاب دراسات سودانية للدكتور عبد المجيد عابدين (طبع جامعة الخرطوم) والإسلام والنوبة للدكتور مصطفى محمد مسعد وكتاب العربية فى السودان للشيخ عبد الله عبد الرحمن ودائرة المعارف الإسلامية.