هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التّنوخى، ولد فى ربيع الأول سنة ٣٦٣ للهجرة فى بلدة تسمى «معرّة النعمان» من أعمال حمص بين حلب وحماة، وإليها ينسب، واشتهر بكنيته «أبى العلاء» وفى ذلك يقول:
دعيت أبا العلاء وذاك مين ... ولكنّ الصحيح أبو النّزول
وأسرته تنحدر من قبيلة تنوخ إحدى القبائل العربية الجنوبية، وما إن بلغ الرابعة من عمره حتى اعتلّ علة الجدرى وذهب فيها بصره، وكان يقول:«لا أعرف من الألوان إلا اللون الأحمر لأنى ألبست فى الجدرىّ ثوبا مصبوغا بالعصفر، لا أعقل غير ذلك». وكان بيته بيت قضاء وعلم وشعر، إذ ظل قضاء المعرة طويلا فيهم، وألم بهم ياقوت فى ترجمته له بمعجم الأدباء وذكر لهم طرائف من أشعارهم. وطبيعى أن يقتدى بهم فيكبّ بعد حفظه القرآن على كتب الدين الحنيف واللغة. وأيضا فإن فقده لبصره مبكرا جعله يعنى بطلب العلم. وتتلمذ على أبيه أولا ومن فى بلدته من تلامذة ابن خالويه، ولم يلبث حين أخذ ما عندهم جميعا أن رحل إلى حلب وحضر على علمائها وعاد منها وهو فى نحو العشرين من عمره سنة ٣٨٤. وحين بلغ الثلاثين من عمره سأل ربه إنعاما، ورزقه صوم الدهر، فلم يفطر فى السنة والشهر إلا فى العيدين.
ورحل إلى بغداد فى أواخر سنة ٣٩٨ وبقى بها نحو سنة وسبعة أشهر، وكان من أسباب عودته منها سريعا نشوب خصومة بينه وبين المرتضى العلوى أخى الشريف الرضى بسبب تعصبه للمتنبى، وأيضا كان قد وصله خبر بمرض أمه، فعاد عجلا، ووجدها قد لبّت نداء ربها. وأخذ نفسه منذ
(١) انظر فى ترجمة أبى العلاء وشعره معجم الادباء ٣/ ١٠٨ وتعريف القدماء بأبى العلاء (طبع دار الكتب المصرية) وفيه كل ما كتب عنه تقريبا فى المراجع القديمة ومن أهمه رسالة الإنصاف والتحرى فى دفع الظلم والتجرى عن أبى العلاء المعرى لابن العديم الحلبى وهى دفاع قوى عنه ونفى لما قيل من إلحاده. وانظر فيه كتاب تجديد ذكرى أبى العلاء لطه حسين (طبع دار المعارف) وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان (طبع دار المعارف ٥/ ٣٥ وكتبنا: كتاب الفن ومذاهبه فى الشعر العربى (الطبعة العاشرة) ص ٣٧٦ والفن ومذاهبه فى النثر العربى ص ٢٦٥ وفصول فى الشعر ونقده ص ١٠٧ وترجمته فى دائرة المعارف الإسلامية ومطالعات لعباس محمود العقاد ص ٧٠ وأبو العلاء المعرى للدكتورة عائشة عبد الرحمن ومقدمتها لتحقيقها لرسالة الغفران. وطبع له سقط الزند بشروح مختلفة واللزوميات ورسالة الغفران والصاهل والشاحج ورسائله بتحقيق الدكتور عبد الكريم خليفة وكذلك بتحقيق الدكتور إحسان عباس. وانظر الحضارة الإسلامية لميتز ٢/ ١١٠.