للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عبد ربه (١)

هو أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه، ولد فى قرطبة سنة ٢٤٦ للهجرة، فى أسرة متواضعة من أسر الموالى إذ كان جده سالم من موالى هشام بن عبد الرحمن الداخل، وألحقه أبوه بأحد الكتاتيب، ثم وجهه إلى الدراسة على الشيوخ فى جامع قرطبة الكبير، فأخذ يختلف إلى حلقات الفقهاء والمحدثين واللغويين من أمثال بقى بن مخلد وابن وضّاح والخشنى. ولم تلبث موهبته الشعرية أن تفتحت، فأخذ ينظم-مثل أقرانه-فى الغزل والخمر، وقلما يقع له فيهما شعر جيد. ويبدو أنه لم يكن ينظم فيهما عن عاطفة حقيقية، وأنه كان يصدر فيهما عن محاكاة أنداده، ومن خير ما له فى الغزل قوله:

الجسم فى بلد والروح فى بلد ... يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد

إن تبك عيناك لى يا من كلفت به ... من رحمة فهما سهماك فى كبدى

وكان سريع الغضب، وجرّ عليه ذلك اشتباكه مع القلفاط الشاعر معاصره فى الهجاء، ونراه فى كثير من أشعاره شابا وشيخا ميالا إلى التشاؤم وإلى ذم الدنيا والناس وسوء الظن بالأشخاص. وربما كان صادرا فى ذلك عن نزعة دينية غرسها فيه شيوخه، ومن بقيتها عنده أن نراه بأخرة من حياته يعارض كل مقطوعة غزلية أو خمرية فى شبابه بمقطوعة فى ذم الدنيا والتنفير منها، وسمّى تلك المقطوعات الممحّصات أى المخلصات من الذنوب، كأنما عدّ شعره فى شبابه ذنوبا وآثاما وهو إنما كان فى رأينا محاكاة للشعراء العباسيين لا اقترافا حقيقيا للآثام، لأنه لم يكن مهّيئا لذلك بحكم روحه المحافظة. ويدل على ذلك أبلغ الدلالة كتابه «العقد الفريد» وهو مطبوع بمصر مرارا فى عدة مجلدات، وفيه يعرض الثقافة الأدبية المشرقية على نهج كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، ولم يعن فيه بالحديث عن أدباء بلده وشعرائه إلا ما كان من تمثله بكثير من أشعاره وذكره لشاعر


(١) انظر فى ترجمة ابن عبد ربه وأشعاره الحميدى ٩٤ وابن الفرضى ١/ ٤٩ والبغية رقم ٣٢٧ واليتيمة للثعالبى (طبعة محيى الدين عبد الحميد) ٢٢/ ٥ - ١٠، ٧٤ - ٩٩ والمطرب ص ١٤١ ومعجم الأدباء ٤/ ٢١١ والمطمح ص ٥١ وابن خلكان ١/ ١١٠ والمقتبس لابن حيان الجزء الخاص بالأمير عبد الرحمن وابنه محمد (نشر د. محمود مكى ببيروت) والجزء الخاص بالأمير عبد الله نشر ملشور بباريس والجزء الخامس الخاص بعبد الرحمن الناصر والعقد الفريد لابن عبد ربه ونفح الطيب للمقرى. انظر فى كل ذلك الفهارس، وتاريخ الأدب الأندلسى عصر سيادة قرطبة للدكتور إحسان عباس ص ١٣٥ والأدب الأندلسى للدكتور هيكل ص ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>