بين الحلفين اللذين تحدثنا عنهما حلف تميم وقيس وحلف الأزد وربيعة ومن انضم إليهما من القبائل اليمنية، فقد أثاروا ما بين العشائر والبطون من حزازات قديمة وأضافوها إلى ما تكوّن من حزازات حديثة، بحيث لم تبق عشيرة إلا ولها شاعرها أو شعراؤها الذين يذودون عنها مفاخرين هاجين، واتخذ ذلك شكل معارك عنيفة، على نحو ما نعرف عن معركة الهجاء التى نشبت بين جرير والفرزدق.
ولم تنمّ البصرة شعر الفخر والهجاء وحده، بل نمّت أيضا شعر المديح، فقد تحول شعراؤها إلى الخلفاء والولاة والقواد والأجواد يمدحونهم ويأخذون جوائزهم. وقلنا آنفا إن الخوارج فى البصرة كانوا كثيرين، وقد هيأت هذه الكثرة لأن يظهر من بينهم غير شاعر مثل عمران بن حطّان، أما الشيعة فكانوا قليلين، ومن ثم لم ينشط الشعر الشيعى بالبصرة، وكأنها تركته للكوفة كى تبلغ منه كل ما كانت تريد من معارضة الدولة والتشيع للبيت العلوى وبيان حقّه فى الخلافة. وإذا كنا لاحظنا فى الكوفة أن شعراء كثيرين كانوا يقفون فى صفوف بنى أمية ضد معارضيهم من الشيعة فإن البصرة هى الأخرى كان بها كثير من الشعراء الذين نافحوا عن الحكم الأموى وعلى رأسهم جرير.
ويلقانا بين أعاجم البصرة غير شاعر، وطبيعى أن ينتظموا فى صورة الشعر البصرى العامة من الفخر والهجاء والمديح، وممن اشتهروا منهم يزيد بن مفرّغ الحميرى. ويلقانا أيضا شعراء يتغنون بالخمر مثل حارثة بن بدر الغدانى التميمى، وإن كان من الحق أن موجتها لم تتسع فى البصرة اتساعها فى الكوفة، فقد كانت أكثر وقارا، ومن ثمّ فسحت للزهد وشعرائه من أمثال أبى الأسود الدؤلى.
[٤ - خراسان]
مرّ بنا أن جند البصرة هم الذين مضوا شرقا فى عهد عمر بن الخطاب حتى فتحوا خراسان، وقد توغلوا فيها لعهد عثمان، فكان طبيعيّا أن يحملوا معهم ما أخذت تستشعره القبائل البصرية من العصبيات القديمة. وكان مما زادها