للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفارس الذى إذا ... أسرج كلّ شيظم (١)

وسلّ كلّ مرهف ... وسلّ كل لهذم (٢)

تراه إن صاح بهم ... تحت وطيس قد حمى

تراكبوا من خوفه ... بعضا على بعضهم

والأبيات تسيل عذوبة مع صور بديعة، فالعارض أو السحاب الذى يخلف صوب الديم والأمطار لا يزال يهطل بجانبه عارض جوده بغيثه المدرار، حتى ليفيض أنهارا من الحيا والغيث المتدافع لكل معدم، وحين يسرج كل فرس كأنه أسد ضخم، ويسل كل سيف حاد ولهذم قاطع ترى الأعداء حين يحمى وطيس الحرب ويصيح بهم يتراكبون بعضا على بعض فزعا منه ورعبا ما بعده رعب. والقصيدة تموج بمثل هذه الصور البديعة، مع ما تموج به من خفة فى الموسيقى حتى لكأنما تطير عن الفم طيرانا، مما يرتفع بالتراب السوسى إلى منزلة عليا فى عالم الشعر. وقد ظل الناس فى الإقليم التونسى يغرمون بإنشادها حتى أوائل القرن الثامن الهجرى، إذ يشهد التجانى بذلك فى رحلته قائلا إن أعراب زماننا قد أولعوا بإنشادها وكثرة تردادها حتى عصره.

ولعل فى ذلك ما يدل-من بعض الوجوه-على صحة ما زعمناه فى غير هذا الموضع من أن الفصحى كانت لا تزال تجرى فى ألسنة الناس-وخاصة من الأعراب-حتى هذا التاريخ.

ابن (٣) عريبة

هو أبو عمرو عثمان بن عتيق المهدوى، من شعراء المهدية وفقهائها ومحدّثيها الأعلام، ولد سنة ٦٠٠ وبها منشؤه ومرباه، وله كثير من المصنفات منها كتاب جوامع الكلم النبوية، وآثار السحابة فى أشعار الصحابة، وله ديوان سماه قصائد المدح ومصائد المنح، وكانت له فى أبى زكريا مؤسس الدولة الحفصية مدائح كثيرة، وقد استدعاه مع جماعة من خواصه وشعرائه لنزهة فى روضه المسمى بأبى فهر، فنظموا فى وصفه قصائد وقدموها إليه، وأجابهم عنها بأبيات تتضمن تفضيل قصيدة ابن عريبة على قصائد من حضره من الشعراء قائلا:

ألا إنّ مضمار القريض لممتدّ ... به شعراء السّبق أربعة لدّ

فأما المجلّى فهو شاعر جمّة ... أتى أوّلا والناس كلّهم بعد

وجمّة من قرى المهدية، وواضح أنه يريد بشاعرها ابن عريبة، وله شعر طريف فى


(١) الشيظم الطويل الضخم ويعنى به الفرس.
(٢) لهذم: سيف قاطع.
(٣) انظر فى ترجمة ابن عريبة الحلل السندسية ٢/ ٥٠٣ وما بعدها وكتاب الفارسية فى مبادئ الدولة الحفصية ص ١١٣ ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>