على نحو ما كان الشباب المغربى فى إفريقية التونسية يرحل إلى مصر والشام والحجاز والعراق للتزود من العلوم الإسلامية واللغوية كذلك كان الشباب الليبى يرحل فى طلب العلم وأخذه عن أعلامه، وسنذكر-عما قريب-بعض من حملوا عن الإمام مالك كتابه الموطأ وأذاعوه فى وطنهم. ولا بد أن بعض المعلمين للعربية فى ليبيا مدّ رحلته فى المشرق إلى العراق للاختلاف إلى علماء العربية بها وحمل كتبهم إلى البلدان الليبية.
وكان موقع ليبيا فى طريق الأندلسيين والمغاربة إلى الحج وزيارة الأماكن المقدسة ذهابا وإيابا يتيح لبلدانها مثل طرابلس وبرقة أن ينزلها بعض العلماء ويطيب له الإقامة فيها شهرا أو أشهرا، ويلتف به طلابها يحاولون أن يأخذوا عنه ما عنده من العلم أو ما اشتهر به، على شاكلة محمد بن عيسى البيانى الذى مر بطرابلس وبرقة فى عامى ٣٣٢ و ٣٣٨ فالتف به طلابهما يكتبون عنه، ومثل الفقيه أبى الحسين محمد بن إبراهيم الأندلسى الذى نزل طرابلس فى عودته من أداء فريضة الحج، فقرأ عليه طلبتها بعض مؤلفاته. وكثر نزول مثل هذين العالمين بها فى عهد الدولة الحفصية، ويقال إن ابن منظور العالم اللغوى المشهور المتوفى سنة ٧١١ بمصر تولى القضاء بها. ويروى عن بعض هؤلاء العلماء الوافدين-وخاصة على طرابلس-أنهم توقفوا بها للأخذ عن علمائها ونسمع بذلك منذ القرن الثالث الهجرى، مما يدل بوضوح على ازدهار الحركة العلمية بطرابلس وأن أسماء بعض علمائها أخذ فى الذيوع مما جعل بعض العلماء الوافدين يشغف بلقائه والأخذ عنه، على نحو ما نجد عند ابن الفرضى فى كتابه «تاريخ علماء الأندلس» إذ ذكر نفرا نزلوا بطرابلس فى رحلاتهم إلى المشرق للتزود من علمائها وحمل ما عندهم من العلم، وممن ذكرهم محمد بن قاسم بن سيار المحدث الأندلسى المشهور، إذ قال عنه إنه سمع بطرابلس عن علمائها فى رحلته سنة ٢٩٤ للهجرة وممن ذكرهم أيضا محمد بن عبد الملك بن ضيفون قائلا عنه: إنه سمع بطرابلس فى رحلته سنة ٣٣٨ من يحيى بن دحمان، كما سمع منه مواطنه هاشم بن يحيى بن حجاج البطليوسى فى رحلته إلى المشرق، وسنذكر- فيما بعد-أن التجانى صاحب الرحلة المشهورة التى نرجع إليها حين زار طرابلس واستمع إلى محدّث فيها هو ابن عبيد انبهر انبهارا شديدا والتمس منه أن يقرأ عليه صحيحى مسلم والبخارى.
[(هـ) المدارس]
عرف العالم الإسلامى فكرة المدارس منذ أواخر القرن الرابع الهجرى وتوسع فيها نظام